رمضان :المال لك والموارد للجميع
رمضان :أيها الصائم
المال لك والموارد للجميع
اعجبتني قصّة قرأتها على موقع التواصل الإجتماعي تحكي ان شابين عربيّين دخلا مطعما في المانيا ليحتفل احدهما بقدوم الآخر الى المانيا وطلبا الكثير من الأكل ولكن اكلوا القليل منه وحاسب المُضيف وهمّا بالخروج وقبل خروجهما من باب المطعم نادته سيدة كبيرة بالسن ولامته بأدب لِما زاد من الطعام فقال لها لقد دفعنا قيمة الفاتورة فما دخلكِ انت فاتصلت بالهاتف بجهة ما وجاء شخص يلبس لباسا رسميا وحرر مخالفة للمُضيف بخمسين مارك دفعها بقناعة لأن الموظّف افهمهما بأنه صحيح ان المال لكما ولكن الموارد للجميع ويوجد كثير من الألمان بحاجة لهذا الطعام وهذه الموارد , تلك هي اخلاقهم وثقافتهم فأين نحن الصائمين منهم.
نحن لنا دين من اساسيات مبادئه الحض على الإعتدال وعدم الإسراف
قال تعالى ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً ) صدق الله العظيم , وها هو شهر الرحمة والبركة على الأبواب وإذا كنّا سنمضي في الطريق ذاته ككل عام وهو أنّ طريق الصيام هو الجوع فقط ونمارس جميع الأعمال والأقوال الخارجة عن خطوط الإيمان الصحيح فكيف سيرحمنا الله ويبارك لنا وهو الذي يقول (وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )صدق الله العظيم وكما وهبنا المال وائتمنّنا عليه إذ قال تعالى (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) صدق الله العظيم .
أقبل علينا رمضان شهر الخيرات والبركات وموسم التنافس في الطاعات،ويجب ان نحمد الله إذ امتنّ علينا ببلوغ شهر رمضان، وأفاض علينا فيه بالكثير من الفضل والامتنان، نحمده سبحانه حمداً يليق بعظمته وقدرته، وعظيم فضله ومنّته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي امتن علينا بصيام رمضان وقيامه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من صلى وصام وأطاع الرحمن، الذي كان يبشر أصحابه بقدوم رمضان بقوله (اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله) , فرمضان محطة ينبغي أن نتوقف فيها كثيراً لنتأمل حالنا وما نحن فيه من أمن وطمأنينة، ورغد عيش، وحياة كريمة، ونتذكر نعم الله علينا حيث حُرِم أقوام نعمة بلوغ رمضان، فكم من أشخاص صاموا في العام الماضي هم في هذا العام تحت الثرى مرتهنون بأعمالهم , وكم من أناس أصحاء في العام الماضي وهم في هذا العام لا يستطيعون الصيام لأمراض حلَّت بهم , وكم من مسلم كان يتمنى بلوغه فوافاه أجله قبل أن يبلغه , فهو شهر محبب إلى النفوس المؤمنة والقلوب الواعية المخلصة وكم من شعوب تتلهى في لمِّ شهدائها وقتلاها وتخفِّف عن جرحاها وتفتِّش عن مفقوديها وترمِّم منازلها لا تعرف ليلها من نهارها وشعوب تبحث عن قطرة ماء لكي تتأمل في البقاء هي واطفالها احياء عند ربهم يرزقون والكثير منهم لا يعرفون هل هم في شعبان ام اي شهر آخر.
شهر يُستحب فيه التسامح ووصل الأرحام والتصدُّق من نعم الله على الفقراء والمحتاجين بعزّة وكرامة وتُستحب فيه مداعبة الأطفال والعطف عليهم وغرس الصفات الحميدة فيهم وكذلك السؤال عن الإصدقاء والإطمئنان عن المرضى ومواساة الفاقدين لأعزّاء عليهم .
شهر يُستحبُّ فيه الجدُّ والإجتهاد في العمل وبنفس طيبة ووجوه بشوشة وشفاه مبتسمة ونفس راضية وكلمة طيِّبة ولقاء الناس وزملاء العمل والمراجعين واصحاب المعاملات والمحتاجين لسؤال واستفسار بملقى طيِّب يريح النفس ويعطيها الأمل بالخلاص والنجاح في مسعاها فتلك هي من صفات المؤمن الذي يحبُّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه وتلك هي الطاقة الإيجابيّة التي يجب ان نشحن انفسنا وعقولنا وقلوبنا يها .
وآن لنا ان نحس بالمحتاجين والمساكين الذين يبحثون عن لقمة يسدون بها جوعهم وجوع ابنائهم ومن اؤلئك الذين يعيشون في المخيّمات من هجّرتهم الحروب من اوطانهم ومن يسكنون الخيام او يبحثون عن ظل شجرة تقيهم حر الشمس وقسوة الجوع فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به).
وشهر الخير هذا يُستحبُّ فيه الإكثار من الدعاء والتسبيح وطلب المغفرة والرضوان والرحمة للوالدين ووالديهم ولمن سبقونا لرحمة الله وكذلك الإكثار من قراءة كتاب الله والتفكُّر والتدبُّر والتمعُّن في آياته ومعانيه وفي معجزات الخالق وفي قصص الأنبياء والرسل ومقارنة ما يحلُّ بنا الآن مع ما عاناه الرسل من ظلم وعذاب وصبر في سبيل دعوة الناس للإيمان واالتوحيد على مرِّ الآف السنين وما لا قاه سيدنا محمد وعيسى وموسى ويوسف وشعيب وصالح وابراهيم واسماعيل وبقيّة الرسل صلوات الله عليهم ورضوانه وان ندعوا الله مخلصين له بان يفرِّج علينا كربتنا ويرزقنا الهداية ويغيّر ما بانفسنا وقد قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) صدق الله العظيم .
وعليه يجب ان نغيّر من ثقافتنا واخلاقنا في هذا الشهر الفضيل لا ان نتدافع كالمفجوعين لشراء الخبز والقطايف والحمُّص وبقيّة اصناف المأكولات خاصة قبل أذان المغرب بلحظات وبكميّات يذهب الكثير منها لحاويات القمامة ويجب ان نشكر الله على نعمته قبل ان يُعلِّمنا الجوع كيف يكون الإعتدال في الإنفاق فثقافة الألمان واخلاقهم تعلّمها ابائهم من الحاجة وغرسوها في اذهان ابنائهم حتى اصبحت ثقافة وعادة حميدة .
ولا تحتاج اجسامنا لتنوع الأصناف من الطعام فذلك يضرُّ بها وانما هي بحاجة لما يفيدها وباعتدال لنحافظ على صحتنا سليمة كما وهبنا الله إيّاها وقد كان يكتفي اجدادنا يالتمر وكوب اللبن لسد جوع الصيام وإذا كان لديك مال كثير فهو لك نعمة من الله تصدّق به ولكن لا تسرفه في ضياع الموارد فهي للجميع وليس لك وحدك .
ونحن في الجمعة المباركة الأخيرة من شهر شعبان ابارك للجميع بقدوم الشهر الفضيل جعلني وإيّاكم من عتقاء هذا الشهر وتقبّل الله طاعاتنا جميعا وهدانا الله لما فيه خير لنا ولأوطاننا ورزقنا رضى الله وطاعته .
احمد محمود سعيد