عمل المكفوفين بين الأمس واليوم


يُعرّف المكفوف قانوناً بانه " ذلك الشخص الذي لا تزيد حدة إبصاره عن 6 / 60 متر في أحسن العينين، أو حتى مع استعمال النظارة الطبية" امّا من الناحية التربوية فإنه "ذلك الشخص الذي يشكو من إعاقة بصرية شديدة ولا يستطيع أن يقرأ أو يكتب إلا بطريقة بريل".
كان عمل المكفوفين في السابق يتركز في مجالات محددة على اعتبار أن هذه الفئة لا تمتلك القدرة على أداء المهام دائما وبالتالي لن تساهم في الإنجاز الحقيقي بل يمكن أن تثقل كاهل المؤسسة "طبعا تلك أفكار مجتمعهم في ذلك الوقت".
اقتصر عملهم آنذاك على مجالات معروفة مثل الامامة في المساجد ورفع الآذان والخطابة وقليل منهم يعمل في مجال التدريس امّا بالنسبة للإناث فإن فرصة العمل أساسا تكاد تكون معدومة.
ما زلت اذكر تمامّا ذلك الشاب الوسيم بعصاه الذي يمر دائما من امّامنا بعزم وهمة ويقطع المسافات ويحدد الاتجاهات بدقة ملفتة ويعرف الجميع من خلال أصواتهم ويمازحهم بل يتنقل بين المدن التي تغص بالسيارات والمشاة ويستقل وسائل المواصلات بثقة تثير الاهتمام وأحسب أن العصا بيده لم تكن ذات شأن نسبة إلى حدة بصيرته.
كان هناك من يشك أنه مكفوف ويختلق الروايات ليثبت أنه بصير وبالتالي كانوا يختبرونه بممازحته ببعض المواقف لكنه يكسب الموقف دائما ببصيرة متقدة وعقل راجح فتزداد الشكوك والحيرة ليصبح فيما بعد إماما وخطيبا مفوهّا.
كانت تقنية بريل في ذلك الوقت تكاد تكون النافذة الوحيدة التي تساعدهم في تخفيف ما يشعرون به من عزلة امّا اليوم فان الأمور تغيرت إلى حد كبير ودخلت التكنولوجيا في حياتهم فحركت الماء الراكد.
التقدم التكنولوجي دخل حياتهم من أوسع الأبواب فمنحهم آفاقا واسعة في العمل والحياة وزادت ثقتهم بأنفسهم وزادت ثقة مجتمعهم بهم وشرّعت امامهم الكثير من الأبواب المؤصدة.
لقد كانت لي فرصة الحديث إلى العديد منهم ووجدت أنهم يعملون في مختلف المؤسسات ويستخدمون الأجهزة المساعدة والحاسوب والانترنت والبرامج الحديثة الخاصة بهم في عملهم بكفاءة واقتدار.
وجدتهم منتشون متفائلون ذوو بصيرة ثاقبة يعجز عن الوصول اليها مبصرون من عميان البصيرة.
كان بعضهم يعمل في التدريس والبعض الآخر في الامامة والخطابة وتنوعت اليوم لتشمل عمل البدالة في كثير من المؤسسات وصار منهم موظفي بنوك في مواقع مهمة وبعضهم يعمل في مجالات إعلامية هامة وهم منتشرون في شتى المجالات وتحدثت إلى أخت فاضلة تعمل كاتبة قصص في قناة الجزيرة للأطفال وقد اثار انفعالي درجة التفاؤل والحماس التي تستشعرها في حديثك إليهم.
غني عن القول إن بعض المكفوفين حقّقوا نجاحاتٍ باهرة وتجاربهم في الحياة تستحق أن تقتدى وصاروا من الشخصيات المعروفة في المجتمع القطري مثل د. خالد النعيمي رئيس الاتحاد العربي للمكفوفين ود. حياة نظر والمحامي حسين نظر والسيد فيصل الكوهجي والسيد حسن الكواري والسيد علي الكميت -مع الاحترام وحفظ الألقاب -بل إن بعضهم يشارك -إضافة إلى عمله-في العمل التطوعي لخدمة فئة ذوي الإعاقة بشكل عام والمكفوفين بشكل خاص.
لدى سؤال السيد خالد الشعيبي رئيس اللجنة التطوعية القطرية لتوظيف ذوي الإعاقة فيما إذا كان هناك اليوم من يبحث عن عمل من المكفوفين ولا يجده فأكد انه-على حد علمه-لا يوجد أحد وقال ان اللجنة تساعد الجميع مواطنين ومقيمين من هذه الفئة في توفير فرص العمل الملائمة لهم.
الدوحة-قطر