…لا يريدون إصلاحًا

كل عملية أصلاح يُعلن عنها في البلاد، يُشهَر في وجهها فورًا سيف الاتهامات المرعب، بدءًا من التوطين والوطن البديل، والحقوق المنقوصة والحقوق المكتسبة، إلى تدمير المحافظات.

وكل عنوان للإصلاح ـــ مبادرة برلمانية أو لجنة للحوار الوطني أو الاجندة الوطنية ـــ أصحابه متهمون حتى تثبت إدانتهم لا براءتهم.

من الآن، أتحدّاكم، إن تراجع مجلس التعليم العالي عن الخطوات الاصلاحية العميقة التي اتخذها في ملف التعليم العالي، كما تراجع غيره من قبل، وهذه بروفة حقيقية لمصير قانون الانتخاب المنتظر.

لاحظوا أن كل قضية إصلاحية حقيقية منذ سنوات في البلاد، تقفز معها "طوشة اجتماعية" فتضيع القضية، ونبقى لأشهر ندفن جمر النار تحت الرماد.

قبل سنوات؛ في موضوع اصلاح التعليم العالي، تجرّأ الوزير الدكتور وجيه عويس ـــ في حوار مع "العرب اليوم" ـــ للقول إن هناك خطة استراتيجية لاصلاح التعليم العالي ستبدأ بإعادة النظر في موضوع القبول الجامعي والاستثناءات، خلال يومين، لم تسمح له قوى الشد العكسي عندما ارتفعت الاتهامات ضده، بأن يدافع عن خطته، لا بل تراجع عنها، وقال: ان كلامه نُزِع من سياقه، مع أنه كان يعرف أن الحوار مسجّل، ولم تمض أشهر إلّا وطار الوزير، وبقيت قضايا التعليم العالي على حالها، مع أنها القنبلة التي قد تشعل نيرانًا في البلاد، بسبب ـــ على الاقل ـــ مصير عشرات الآلاف من الخريجين الذين لا يجدون فرص عمل، وينضمون إلى جيش المتعطلين من العمل.

45 نائبًا يوقعون مذكرة ضد وزير التعليم العالي الدكتور لبيب الخضرا لأنه أعلن قرار مجلس التعليم العالي برفع معدلات القبول في الجامعات، فأصبح في مرمى نيران النواب، الذين يطالبون رئيس الوزراء عبد الله النسور بتجميد ووقف القرارات لمدة سنة على الأقل.

لندقق أكثر، مبكرًا، بدأت قوى الشد العكسي الوقوف في وجه أية خطوة إصلاحية تجاه قانون انتخاب متطور وعادل، وتجاه أي قرار سيادي يُلغي نظام الاستثناءات.

ما أن يُنشر تسريب عن قانون انتخاب جديد حتى تكشّر قوى الشد العكسي عن أنيابها لمهاجمة أي توجه لتعديل القانون، بحجّة أن الأوضاع السياسية لا تسمح بذلك، وأن المكاسب المتحققة لا يمكن التنازل عنها لمصلحة قانون أكثر تطورًا وعدالةً.

وفي وقت سابق، لم تنتقد قوى الشد العكسي التوجّه لقانون انتخاب جديد فقط، بل انتقدت المطالبات بإلغاء الاستثناءات في الجامعات باعتبارها خطًا أحمر!

لقد وصل الحال بنواب أن يهددوا إذا تم الاقتراب من الغاء الاستثناءات، لأنها فقط سوف تخدم طلبة عمان والزرقاء واربد، وكأن هذه المحافظات الثلاث ليست في الاردن، وكأن حال مدارس هذه المحافظات أفضل بكثير من احوال المدارس في المحافظات الأخرى.

عقلية الاستثناءات هي التي تسيطر على عقلية الأشخاص الذين وصلوا إلى مواقعهم عن طريق الاستثناءات ذاتها، ولهذا فهم يدافعون عنها، ويغضّون الطرف عن فكرة العدالة وعن النص الدستوري؛ "الاردنيون متساوون في الحقوق والواجبات".

حتى الآن لم يتم تحديد من هم قوى الشد العكسي، مع أن أجندتهم واضحة، يقفون في وجه تيار الإصلاح ويضعون العصي في الدواليب. لكن الذين يؤججون الأردنيين بعضهم على بعض، ويعبثون بالنسيج الاجتماعي والوطني هم أخطر قوى الشد العكسي.