هنا "مثلث الرعب" الأردني!

بقدر ما هو جديد وطريف ذلك المصطلح "الفقراء العابرون"، الذي ورد في تقرير البنك الدولي عن تقييم حالة الاقتصاد الأردني، بقدر ما يمثّل مفتاحا مهما ورئيسا للغوص أكثر في تفكيك الأوضاع الاقتصادية-الاجتماعية، وتأثير التحولات الجارية على الطبقة الوسطى التي تترنح تحت ضغوط غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار.
وفقاً لتقرير الزميلة سماح بيبرس، في "الغد" أول من أمس، فإنّ البنك الدولي يطلق مسمى "الفقراء العابرون" على أولئك الذين اختبروا الفقر أقلّه خلال ربع واحد من أرباع السنة. وهي نسبة وصلت في المجتمع الأردني إلى 18.6 %، بينما نسبة "الفقراء المستقرّين" -وفق تقديرات الحكومة- تصل إلى 14.4 %، بحيث يصل مجموعهما معاً إلى قرابة ثلث المجتمع. مع التذكير بأنّ التقديرات الرسمية لنسبة الفقر تحمل علامات استفهام، وهي محل نقاش طويل مع وزارة التخطيط، بشأن تحديد مؤشرات الفقر والطبقة الوسطى عموماً، وتحديد مستوى الدخل لذلك.
السؤال المهم يتمثّل فيما يتعلق بالظروف والأسباب التي تؤدي إلى "الفقر العابر" خلال العام، لثلاثة أشهر في الحدّ الأدنى؛ هل هي الفجوة بين مستوى الدخل وبين النفقات وازدياد الضغوط وضعف القدرة على التغطية البديلة لذلك، خلال هذه الفترة من العام أو ما يزيد؟ هذا هو التفسير الأرجح للفقر العابر. إذ من الممكن أن يعتمد المواطنون على "مصادر" أخرى غير الدخل الثابت، مثل الحوالات الخارجية، والقيام بأعمال إضافية بمكافآت غير دائمة، وبغياب ذلك تنشأ فجوات في تغطية النفقات، تظهر خلال فترة من العام، لثلاثة أشهر أو أكثر.
في تقرير الزميلة سماح بيبرس، قرأت آراء لخبيرين اقتصاديين معتبرين؛ هما الدكتور عمر الرزاز (الذي نبّهنا سابقاً لتقارير البنك الدولي التي تتحدث عن جيل الانتظار)، والدكتور خالد الوزني. وفي تفسيريهما إشارات مهمة إلى ضعف شبكات الأمان الاجتماعي التي تخفف من حدّة المخاطر التي تتعرض لها الطبقة الوسطى، وأيضاً إلى التحولات الاقتصادية التي أدّت إلى رفع الدعم عن المحروقات، وعدم الاهتمام بتحريك عجلة الاقتصاد.
لكن الزاوية الأكثر خطورة، فعلاً، هي أنّ ظاهرة "الفقراء العابرين" تعكس "هشاشة الطبقة الوسطى". فطالما أنّ جدران الحماية والإسناد ضعيفة، ومع محدودية مصادر الدخل والتغطية، فإنّ نسبة كبيرة من الطبقة الوسطى الدنيا معرّضة لأخطار كبيرة ومقلقة، ومن السهولة بمكان أن تختبر الفقر خلال مرحلة من مراحل العام. لكن هزّات قوية أو ظروف اقتصادية صعبة، من السهولة أن تدفع بأعداد كبيرة إلى الفقر.
هذه الدلالات تذكرني بكتاب "المؤمن الصادق: أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية"، لإريك هوفر، والذي يتحدث عن الحركات الثورية والراديكالية والجماهيرية والتجنيد والتعبئة. وربما اللافت في الكتاب أنّ مؤلفه يرى أنّ الأكثر ترشيحاً للانضمام إلى تلك الحركات ليسوا أبناء طبقة الفقر المدقع، بل محدثو الفقر؛ أولئك الذين يمتلكون طموحاً وأحلاماً واختبروا الحياة الفضلى، ثم وجدوا أنفسهم في مصاف الفقراء. فهؤلاء من يشعرون بالحاجة إلى التغيير وتحميل السياسات القائمة والآخرين مسؤولية ما وصلوا إليه من حالة الفقر.
إذا زاوجنا بين هذين المصطلحين؛ "الفقراء العابرون" و"الطبقة الوسطى الهشّة"، ومصطلح آخر هو "جيل الانتظار" الذي تحدث عنه سابقاً الدكتور الرزاز، فسنقول عندها: أهلاً بكم في مربع الرعب الأردني؛ فهناك شريحة اجتماعية واسعة تتململ؛ محبطة وقلقة.
ما يضاعف من خطورة هذه الدلالات أنّ التيار الراديكالي الجهادي بدأ يخترق خلال الأعوام الأخيرة الطبقة الوسطى، ويصل إلى جيل من الشباب الجامعي والمثقف، على النقيض من الصورة النمطية بأنّ أتباع هذا التيار هم من الفقراء وغير المتعلّمين. ما يعني أنّنا بحاجة إلى مقاربات وطنية عميقة، تتجاوز الأرقام الصمّاء في الموازنة العامة، إلى تشريح الأوضاع الثقافية الاجتماعية.