في صالون التجميل

السيدة التي تستقبل النساء بابتسامة عريضة، تظهر آخر صف أسنانها، وتدللهن حتى يجلسن على المقاعد، تغازل جمالهن الظاهر والباطن حسب خبرتها في تحليل الجمال، هي ذاتها السيدة التي تتحلف لعاملة النظافة النحيلة بعد أن لمحتها تأكل بقايا طعام، من المفترض أن ترميه في سلة القمامة. لكن النحيلة وفوق إيمانها بانقطاع النعمة إن رمتها مع الأوساخ، تشعر بجوع ينهش خلايا دماغها وهي التي لم يدخل شيء في جوفها من ظهر البارحة، إلا الماء وكوب القهوة بالمبيض الجاهزة، الذي حنت به عليها "معلمة الحواجب". هي لم تحن عليها به بالمعنى المطلق، لكنها اضطرت أن تقدمه لها بعد أن برد وهي تتناقش مع الزبونة المتدينة، في محرومية نتف الحاجب واختلافه تماما عما تفعله هي، من تشذيب وتنظيف فقط يظهر وجه المرأة بشكل ألطف . هذا الحوار اليومي مع زبونات المحل والذي كان يتسم عادة بجدال، وصوت عال مصحوبين بإيماءات التهكم وإزدراء الآخر، أصبح ومنذ أمد قصير فرصة ممتازة، لإظهار سيطرة "المعلمة" على الوضع بعد أن دلها زوجها العاطل عن العمل على موقع "غوغل" واقتبسا سويا في ليلة ظلماء، مقاطع مقصودة من تفاسير دينية مكتوبة ومنقولة عن علماء، أسماؤهم وحدها تخرس أي زبونة متمردة، كالتي اصطبحت بها اليوم داخلة على المحل، دون أن تنظر إلى أحد، تتحدث بصوت مسموع جدا، بهاتفها الخلوي مع شخص ما تعيد عليه، وعلى الجالسات في المحل بطبيعة الحال، كيف مسحت الأرض بالمسؤول الكبير في دائرة الضريبة، وكيف علمته درسا لن ينساه طيلة حياته، في معاملة "سيدات الأعمال" كما رددت أكثر من مرة. كانت تفك أزرار جلبابها بحركة لا إرادية بغية التخفف منه، بينما هي تسير في الصالون ذهابا وإيابا، تصرخ في إذن مستمعها على الخط الثاني، وكأنه المسؤول الذي مسحت به الأرض، وفي نفس الوقت تؤشر لصاحبة المحل على جذور شعرها وعلى ساعة معصمها بحركة واحدة، وكأنها تقول أنا مستعجلة. ثم تجلس بجانب سيدة وقور تقرأ في مجلة، بعد أن ترمي بحقيبة الأخيرة على الطاولة وتأخذ مكانها وتستمر في الاستعراض. بينما صاحبة الحقيبة التي تبدو ثمينة جدا، كانت تدعي أنها تقرأ في مجلة إلى أن جلست العاصفة بجانبها. فهي كانت تخفي دموعها خلف غلافي المجلة القديمة المهترئة، كما تفعل دائما كلما قدمت إلى الصالون. حفظتها البنات هنا وبدأن يتفهمن تصرفاتها الغريبة تلك، خصوصا وأنها تدخل بهدوء، وتجلس تنتظر دورها حتى ولو لم يكن هناك غيرها. فهي تهرب إلى هذا المكان من بيتها المحاذي للبناية التي تضم هذا الصالون، في كل مرة يدب فيها شجار يجمعها مع زوجة ابنها، المقيمة بنفس البيت بعد أن يغادر زوجها صباحا إلى عمله. لا تعرف إلى أين تذهب حينها غير هذا المكان، الذي لن يسألها فيه أحد عن إصفرار وجهها وارتباكها، طالما وضعت شروطا غير محكية منذ البدايات؛ فهي تجلس بعيدا في الزاوية ترتشف قهوتها الساخنة، وتقلب في المجلات حتى تهدأ. ثم تقوم إلى غسل شعرها الناعم الخفيف الذي يشبه شعر طفلة، وتصففه بنفس الطريقة التي اعتادت عليها من ثلاثين عاما، تبتسم للمرآة راضية وللبنات أيضا، وتمد لهن جميعا بقشيشا محترما نظير الاهتمام الصامت، وتغادر.
تلحق بها مصففة الشعر الصغيرة على الدرج لأنها نسيت نظارتها كالعادة ، وتعود تتنفس الصعداء وتركض لجهاز التلفاز ترفع صوت أغانيه وتبدأ بفقرة الرقص إياها، التي تتمايل فيها على الزبونات بخلاعة مستفزة، تظهر فيها مواهبها المكبوتة، وتشتم الرجال بكلمات بذيئة خصوصا زوجها الذي طلقها مبكرا وهو لا يقدر الجوهرة التي كان يقتنيها. لا تصدق غالبية الزبونات غير المتزوجات روايتها وهي ذات السبعة عشر عاما، خصوصا الفقرة المتعلقة بأخوات زوجها الشريرات. ويعتقدن أن الموضوع له علاقة بقضية أخلاقية بحتة!
ينقضي نصف النهار، فتلف كل واحدة هناك حكايتها تحت منديلها أو داخل حقيبة التسوق وتذهب في طريقها. لا يبقى في نهاية اليوم إلا سيدة لا تبتسم تعد الغلة، وأخرى تكنس الشعر المقصوص، وبقايا طعام.