الأمن البيئي .. ضرورة وليست رفاه
يُعقد في عمان في الفترة من 14 وحتى 16 من الشهر الحالي مؤتمر اقليمي تحت عنوان الأمن البيئي ويبيِّن أفضل الممارسات وأمثلة من التدابير الوقائية وتفعيل القانون ويتصادف انعقاد المؤتمر مع احتفالات العالم بيوم البيئة العالمي في اليوم الخامس من شهر حزيران في كل عام .
وحيث يتصف بلدنا بالأمن والآمان في إقليم يشهد الجميع بأن ظروفه ملتهبة نتيجة الأوضاع التي تمر بها المنطقة من تدمير وتقتيل وهدر للمقدّرات والثروات وتلويث للبيئة بكل مكوِّناتها الحيويّة وغير الحيويّة فيأتي هذا المؤتمر الذي يجمع ما بين حقوقيّين وقضاة ورجال أمن وحماة للبيئة محليّين وإقليميّين ودوليّين ورجال إنتربول وباحثين ومختصّين في المجال البيئي للبحث في اخر ما توصلت اليه الدول والمنظّمات الدوليّة ومؤسسات المجتمع المدني التطوعية وغيرها في السبل المتّبعة للتوعية الجماهيريّة في اهميّة حماية البيئة والعقوبات الرادعة للمخالفين ومرتكبي الجرائم البيئية وأساليب الجذب المختلفة لكي يصبح كل مواطن فردا مساهما في الحفاظ على بيئة نظيفة وعلى الطبيعة والتنوع الحيوي من نبات وحيوان ومأوى مُصان ويتمتع ببيئة سليمة .
عندما ظهر المفهوم البيئي بمعناه الحديث خلال مؤتمر قمة الأرض تحت اسم مؤتمر الأمم المتحدة حول بيئة الإنسان التي عقدت في ستوكهولم بالسويد عام 1972 لم يكن للأمن البيئي مفهوما عمليا وعلميا تتبعه الدول بل كان الإهتمام فقط بالناحية الصحيّة وإزالة المخلفات الصحيّة والتركيز على الإهتمام بمصادر المياه والنظافة العامّة.
وابدت الأردن بعد ذلك اهتماما بالبيئة وقامت بإنشاء مكتب للبيئة في وزارة الشؤون البلدية كما اصدرت أول استراتيجيّة للبيئة وكتاب عن حالة البيئة في الأردن .
وعندما عقدت قمّة الأرض التاريخية عام 1992 في ريودي جانيرو بالبرازيل تحت مفهوم البيئة والتنمية المستدامة تبلورت معظم المفاهيم البيئية الحديثة ومنها الأمن البيئي وتم توقيع الكثير من المعاهدات والإتفاقيات البيئيّة العالميّة وطُلب من كافة الدول وضع جدول اعمال بيئي وطني للقرن الحادي والعشرين ( ألأجندة 21 ) وقامت معظم الدول بوضع البيئة من ضمن اهتماماتها وأولويّاتها ومنها الأردن حيث قامت بإنشاء المؤسّسة العامّة لحماية البيئة وأصدرت اول قانون لحماية البيئة عام 1996 وقد اعتبرت هذه القمة في حينها أكبر تجمع بيئي لقادة العالم في التاريخ , واتفق القادة على برامج طموحة لمعالجة التغيرات المناخية وحماية التنوع البيئي وتخليص العالم من العناصر السامة , وقد انبثق عن هذا المؤتمر لجان عدة واتفاقيات تحترمها معظم دول العالم , كما صدر إعلان عن البيئة والتنمية.
وعقد مؤتمر قمة الأرض للتنمية المستدامة عام 2002 في جوهانسبورغ بجنوب إفريقيا حيث جرى التركيز في هذه القمة على استدامة التنمية والتقدم الصناعي وإعادة توزيع الثروة مع الاستمرار في الحفاظ على البيئة , وقد أعطت المؤتمرات السابقة بعدا اجتماعيا واقتصاديا للمشكلات البيئية .
وفي الفترة الأخيرة تزايد الاهتمام العالمي، بمسألة الأمن البيئي، ويجمع الكثيرين أن مسألة الأمن البيئي لا تقل أهمية عن مسألة الأمن الغذائي, أو الصحي، أو المائي، أو العسكري أو غيرها، وأن العلاقة متشابكة ومتبادلة بين جميع أشكال الأمن، لأن الأمن أصبح يشكل منظومة متكاملة تشمل معظم العلاقات الدولية، هذه العلاقات التي تتعرض في كثير من الأحيان إلى التشويش ، ليس بسبب تهديد دولة من الدول لغيرها تهديداً عسكرياً، ولكن لسبب آخر وهو انعدام الأمن البيئي.
وتنامى الإهتمام بالبيئة في الأردن على اعلى المستويات حيث تم تأسيس اول وزارة للبيئة عام 2003 وصدر قانون البيئة الذي خوّل الوزارة بالشأن البيئي بالمملكة وعزّز شراكة الأردن وتعاونه مع المؤسسات الدوليّة البيئيّة والجمعيات البيئية التطوعيّة وتم تأسيس صندوق حماية البيئة بناء على القانون المذكور وتعمل الحكومة حاليا على اصدار قانون معدل لقانون البيئة يأخذ بألإعتبار المستجدّات مع ضرورة الحزم في المحافظة على الطبيعة ومصادرها وثرواتها والمشاركة الجماهيرية في ذلك ضمن بنود تتعلق بالحوافز والعقوبات الرادعة , ولتحقيق مفهوم الأمن البيئي الشامل من خلال تنفيذ السياسات الوطنية التي تطمح إلى المحافظة على البيئة الأردنية وإحكام السيطرة على المخالفات البيئية والحد منها جاءت مباركة جلالة الملك عبدالله بإنشاء الشرطة البيئية في مديرية الأمن العام في حزيران من عام 2006, وفي كانون عام 2008 أسست الإدارة الملكية لحماية البيئة بدلا من الشرطة البيئية لتكون الذراع التنفيذي الذي يمكن وزارة البيئة والوزارات المعنية من تحقيق أهدافها وأولوياتها في مجال المحافظة على البيئة .
و تسعى الإدارة الملكية لحماية البيئة في مديرية الامن العام إلى تحسين نوعية البيئة الأردنية والمحافظة على المصادر الطبيعية من خلال تطبيق واضح وفعال للتشريعات والقوانين المتعلقة بالبيئة وتدعيم التعاون بين مؤسسات الوطن المعنية بالشأن البيئي, وزيادة الدعم والتأييد الوطني لقضايا البيئة لتكون البيئة الأردنية نظيفة وآمنة من التلوث.
وتشدّد الأمم المتحدة وبرامجها البيئية والتنمويّة على الأهمية الحاسمة لحماية البيئة في أوقات النزاعات المسلحة، وعلى استعادة الحوكمة الرشيدة للموارد الطبيعية خلال مرحلة التعمير بعد انتهاء النزاع. كما تؤمن بالدور الهام الذي تقوم به الموارد الطبيعية في دعم أسباب المعيشة والقدرة على تحمل الصدمات لجميع أفراد المجتمع، خاصة النساء، وآثار الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية فيما يتعلق بمنع النزاعات وتوطيد السلام". وأكدت على اهميّة التخلص من أسلحة الحروب بصورة مأمونة ، ويعتبر ذلك أحد التحديات التي تواجه الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية, كما يشمل التلوث البيئي على الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة، وهو ما يشكل خطرا بصفة خاصة على النساء والأطفال الذين يتسمون بالضعف، كما أنهم معرضون لها أكثر من غيرهم بسبب أنشطتهم اليومية, وقد حذّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أن الجريمة البيئية آخذة في الارتفاع، وقد أصبحت الآن واحدة من أكثر أشكال الجريمة المنظمة ربحا، حيث إن جرائم الحياة البرية، مثل الصيد غير المشروع لبعض الحيوانات تقدر بحوالي عشرين مليار دولار سنويا.
وتعتبر الجريمة البيئية، بما في ذلك التجارة غير المشروعة في الحيوانات البرية والأخشاب، وتهريب المواد المستنفدة للأوزون، والاتجار غير المشروع في النفايات الخطرة مشكلة دولية هامّة، كذلك فإن الجريمة البيئية تؤثر في كل قطاعات المجتمع، وغالبا ما ترتبط باستغلال المجتمعات المحرومة، وانتهاكات حقوق الإنسان، والعنف، والصراع، وغسيل الأموال والفساد والعصابات الإجرامية الدولية.
ولغايات تنظيم العمل ومأسسة العمل البيئي في الأردن بهدف ضبط الإجراءات المتخذة من الإدارة الملكية لحماية البيئة وتوحيدها بصورة قانونية منسجمة مع التشريعات والأنظمة فقد قامت وزارة البيئة ومن خلال الإدارة الملكية لحماية البيئة وبجهد منظم بتجهيز الدليل الموحد القانوني للمخالفات والتجاوزات البيئية التي تتعامل معها الإدارة بالاستناد إلى القوانین والأنظمة والتعليمات المتعلقة بحمايةالبيئة ليكون المرجع القانوني لها وقد تم ترتيب الدليل حسب تصنيف المخالفات ابتدءاً بالثروة الحيوانية ومرورا اًلثروة النباتية والبيئة البحرية والمصانع والمحلات التجارية والصحة العامة وانتهاء بًالتجاوزات الناتجة عن المركبات كما تم تخصيص صفحات من ذاك الدليل للتجاوزات البيئية التي تحدث ضمن منطقة العقبة الاقتصاديةالخاصة.
ولسنين خلت كان البعض يعتقد ان الإهتمام بالبيئة هو شيئ من الرفاه والترف ولكن مع تراكم الأضرار والأخطار نتيجة التلوّث البيئي للعناصر المهمّة لحياة البشر وهي الهواء والماء والتربة بما ينعكس على الإنسان والحيوان والنبات من اضرار وبما يؤثِّر على برامج التنمية الإقتصاديّة والإجتماعيّة في مختلف المجتمعات فقد اخذت الدول على محمل من الجد والمسؤوليّة الإهتمام بالأمن البيئي من خلال برامج التوعية البيئية وسلامة الغذاء والدواء والتقنيات الحديثة للإقتصاد الأخضر والإهتمام بالترشيد في الإستهلاك وتحويل النفايات الى طاقة ومصدر للدخل ووضع المعايير البيئية لكافّة مناحي الحياة وتشجيع الأفراد على الإلتزام البيئي ووضع التشريعات الضروريّة المحتوية على العقوبات الرادعة والمانعة لإرتكاب المخالفات البيئيّة حيث يعتبر الأمن البيئي الآن ضرورة ملحّة للمجتمع .
ويشارك في المؤتمر الإقليمي وفودا عربية ودولية تمثل دولا ومنظمات إقليميّة ودوليّة تعنى بالشأن البيئي ومعاقبة المخالفين البيئيّين والقواعد والمعايير المتبعة في ذلك والإجراءات والتدابير المتّخذة لمنع تكرار حدوث مثل تلك المخالفات والحدّْ من الجرائم البيئيّة .
واهم ما يواجه الأردن من تحديات بيئيّة في هذا الوقت العصيب على المنطقة هو الأزمة السوريّة وما ينتج عنها من آثار بيئيّة سلبيّة على البيئة الأردنيّة والمواطن الأردني خاصّة الأثر الناتج عن اللجوء السوري الى الأردن وبشكله الأسوأ الوضع البيئي في مخيمات اللجوء على الأراضي الأردنيّة وكذلك الآثار البيئيّة السلبية على المصادر الطبيعيّة والخدمات الحياتيّة في المناطق الشماليّة من الأردن وكل ذلك يترافق مع التقصير الواضح من معظم دول العالم الأخرى في تقديم العون للأردن الفقير بثرواته الطبيعيّة والشحيح بقدرته الماليّة والمائيّة بالرغم ممّا يقدّم من إمكانات أمنيّة وغذائيّة وخدمات صحيّة وتعليميّة (تقدّر بأكثر من اربعمائة مليون دينار للعام الحالي) وخلافه للاجئين القادمين من اماكن إقامتهم في سورية حيث لا تزيد المساعدات الدولية للأردن حتى الآن هذا العام عن 6% من الإنفاق الأردني الفعلي على ذلك .
ومن التحديات البيئيّة التي يواجهها الأردن كذلك محاولة اسرائيل احيانا الإخلال بالتوازن البيئي في الأردن من خلال حرائق في منطقة الأغوار او تفجيرات في قاع خليج العقبة تؤثر على المرجان والحياة البحريّة او ما كان يُقال عن تأثير مفاعل ديمونا النووي القديم.
ومن المتوقّع من هذا المؤتمر الإقليمي ان يتفهّم العالم شعوبا وحكومات انّ الأمن البيئي اصبح من الضرورات الملحّة وليس هو وسيلة ترف وان الوقوف بجانب الأردن هو ضرورة ملحّة ليستطيع مواجهة التحديات وتقديم ما يلزم نيابة عن المجتمع الدولي .
وكل الشكر مقدّما للجمعيّة الألمانيّة للتعاون الدولي GIZ ووزارة البيئة والإدارة الملكيّة لحماية البيئة والجمعيات البيئية الأردنيّة وشركائهم في تمويل وتنظيم والمساهمة في عقد هذا المؤتمر الإقليمي .
احمد محمود سعيد
8 / 6 / 2015