الدولة والإخوان: قواعد اللعبة الجديدة

بالرغم من مسايرة "الدولة" ودعمها الكامل لـ"جمعية الإخوان" الجدد، بقيادة د. عبدالمجيد الذنيبات؛ ما وصل إلى الحديث عن أملاك الجماعة الأمّ، إلاّ أنّ هذا لا يعني أنّ "الجماعة" ستختفي فجأة، وتذوب. وإذا كان الأمر كذلك، فإنّه أسوأ؛ لأنّه يعني حواجز بين الدولة وشريحة واسعة من المواطنين الراغبين في المشاركة السياسية، وتحديداً من جيل الشباب المثقف ذي التوجه الإسلامي السلمي.
اليوم، الأطراف الثلاثة في معضلة. فالجمعية الجديدة تواجه سؤال المصداقية والشرعية الشعبية، حتى لو امتلكت الشرعية القانونية؛ والجماعة الأم تواجه أكبر مأزق قانوني منذ وجودها في الأردن؛ و"الدولة" لا تمتلك إجابات عن أسئلة جوهرية وبنيوية مرتبطة بمصير التيار الإسلامي السلمي العام، المتمثل في أغلبية "الإخوان" وقواعدهم الشعبية، وحضورهم في الوسط الأردني (من أصول فلسطينية)، بخاصة وأنّنا أمام تجارب سابقة فشلت في انتزاع الشارع من الجماعة الأمّ.
الحل المثالي هو أن ينهي "الإخوان" الأزمة داخلياً؛ وذلك عبر توافق على الانتخابات القادمة بين الجماعتين، وانضوائهما تحت المظلة القانونية الجديدة، والخروج تماماً من نفق الفكرة الإخوانية التقليدية التي لا تتناسب مع التطورات الكبيرة في الأعوام الأخيرة، وهي "سريّة التنظيم وعلنية الدعوة". إذ لا يوجد ما يبرر اليوم السريّة، حتى لو كانت العلاقات سيئة مع الدولة؛ فالمسار العلني السلمي هو الخيار الاستراتيجي للجماعة منذ عقود.
خطوة التأطير القانوني لعمل الجماعة فكرة جيدة في الأصل. لكن الطريقة والتوقيت، والتدخل الرسمي، وتعنّت القيادة الحالية وعدم إدراكها للمتغيرات المهمة الجارية، داخلياً وخارجياً، كل ذلك جعل منها مدار الانقسام التنظيمي الذي أخذ أبعاداً اجتماعية، كما هو معروف.
إذا لم تنجح الحلول التوافقية، وتمسّك كل طرف برأيه، فسنكون -كما تتوقع مصادر رفيعة في الجماعة الجديدة- أمام سيناريو آخر؛ هو انتقال نسبة كبيرة من أبناء الجماعة إلى العمل تحت مظلة حزب جبهة العمل الإسلامي، وقبول نسبة بسيطة منهم لا تتجاوز بعض مئات الانضواء تحت المظلة الجديدة، وإصرار نسبة أخرى على التمسك بالجماعة القديمة، حتى لو كان ذلك بالعمل السري، واستنكاف آخرين عن الدخول في هذه الخيارات وتفضيل الاعتزال، وفي مقدمة هؤلاء شيوخ الجماعة المعتدلون، مثل الدكتور عبداللطيف عربيات، وإسحاق الفرحان، وعبدالحميد القضاة، وحمزة منصور، وغيرهم.
الذين يتحدثون عن هذا السيناريو الأقرب للواقع، يتغافلون عن نتائج وتداعيات خطيرة وسيئة مترتبة عليه، وهي أنّه يجذّر الأزمة الوطنية المكبوتة، ويخلق كيانين إخوانيين؛ شرق أردني وأردني-فلسطيني (أقرب إلى الخليط القيادي، لكن الأغلبية من أصول فلسطينية). كما يدفع بحزب جبهة العمل الإسلامي إلى الطابع المتشدد، بعد خروج العناصر البراغماتية المرنة منه. وهو ما سينعكس ليس فقط داخل أروقة التنظيم، بل حتى على قواعده الجماهيرية، ويعزز شعور شريحة اجتماعية واسعة (من أصول فلسطينية) بالإقصاء والاستهداف السياسي من قبل "الدولة" لهم.
الأمر الثاني يخلق حالة ارتباك وبلبلة. فجماعة الإخوان الأمّ هي من تمسك بالتمثيل الإخواني العارم في النقابات والجامعات، والأغلبية هنا من أبناء الطبقة الوسطى المحافظة، من مهندسين وأطباء ومعلمين. فسيصبح التعامل معهم معقّدا من قبل الأطراف الرسمية، فيما إذا استمرت عملية سحب الاعتراف الرسمي بالجماعة الأم.
الأمر الثالث، وهو ليس من باب التهويل، أنّ هذا الاستثناء للإخوان سيعزز من قدرة التيار الراديكالي (داعش) على استقطاب نسبة من الشباب، مع التحولات الإقليمية الجارية والفوضى الكبيرة. وهو آخر ما نتمناه ونحن نتحدث عن "الحرب على الإرهاب"!
الحوار والتفاهم داخل الجماعة هما السبيل الأفضل، وكذلك الأمر بينهم وبين الدولة، في ترسيم قواعد اللعبة في المرحلة المقبلة.