تلفزيون الخدمة العامة .. هل نفعلها؟

أنهت الحكومة مشروع نظام "إعلام الخدمة العامة" وأحالته الأسبوع الماضي على ديوان الرأي والتشريع، هذه الخطوة اذا ما سارت بالمسار المطلوب فستكون أهم من كل ما أنجز خلال السنوات الثلاث الماضية في الاستراتيجية الإعلامية، وستنهي حالة من الجدل استمرت نحو عقدين حول تراجع مكانة التلفزيون الرسمي وقدرته على المنافسة أو استقطاب المشاهدين ودوره في خدمة المجتمع والتنمية والدولة.
إعلام الخدمة العامة الذي يتمثل في خدمات البث الإذاعية والتلفزيونية المملوك للدولة والممول من قبل المجتمع لديه تراث وخبرات واسعة ومتعددة في العالم ولن يكون مطلوب من الأردن إعادة اختراع العجلة من جديد، بل هناك محاولات أردنية في التحول إلى هذا النموذج تعود إلى اكثر من عقد مضى جميعها فشلت، وهنا علينا أن نلفت الانتباه إلى أن إعلام الخدمة العامة ليس بديلا للإعلام الذي يملكه القطاع الخاص، ولكن قد يكون منافسا له ما يرتب على إعلام القطاع الخاص أن يطور من قدراته المهنية وأن يثق بأن المزيد من المهنية هي الطريق المأمون لثقة الجمهور. وفي هذا المجال نستغرب بعض الأصوات التي ظهرت خلال الأسابع الماضية وتحاول أن تثني الدولة عن هذه الخطوة، وعلينا أن نتذكر أن معظم خبرات إنشاء الخدمة العامة في العالم قامت على فكرة أساسية لا يختلف عليها اثنان مفادها "أن القطاع الخاص وحده لا يمكن أن يضمن التعددية في البث. وأن الإعلام الحكومي التقليدي قد فشل أيضا إلى حدٍ كبير في القيام بهذه المهمة في العديد من البلدان".
إن الظروف الراهنة التي يمر بها مسار الإصلاح السياسي والإعلامي في الأردن، قد تكون أنسب الأوقات لعمليات تحول جادة، من البث التلفزيوني الحكومي إلى نموذج الخدمة العامة، فالظروف السياسية والاستراتيجية الحرجة التي تشهدها المنطقة والتي يزداد فيها التنافس المحموم للسيطرة على الصورة التلفزيونية، إلى جانب وصولنا إلى قناعة بأن الأردن لا يملك القدرات المادية على المنافسة في هذا المجال ولا يريد هذه المنافسة، تجعل نموذج الخدمة العامة هو الإجابة الموضوعية والإصلاحية عن السؤال الإعلامي الأردني قبل الاقليمي. فالمجتمع الأردني يحتاج إلى نموذج الخدمة العامة في البث الإذاعي والتلفزيوني، لاستعادة الثقة بدور وسائل الإعلام في تقديم الصالح العام، وفي تمثيل المجتمع بنزاهة.
المهم اليوم، كيف نضمن أن الخدمة التلفزيونية الجديدة ستكون بالفعل خدمة عامة، فلقد أفضت التجارب العالمية، طوال العقود الماضية، إلى خبرات واسعة ومتنوعة في الانتقال إلى نموذج الخدمة العامة في البث التلفزيوني، وهناك معايير وقيم عالمية مشتركة، تحتاج التجربة الأردنية الاستفادة منها وأهمها؛ أولا: استقلالية هذه الخدمة وابتعادها عن التدخل والضغوط الاقتصادية والتجارية، وتوفير الضمانات الفعلية لهذه الاستقلالية، من خلال التشريعات، ومن خلال آليات تعيين قيادات هذه المؤسسات، ومصادر التمويل، وتمثيل المجتمع بكافة مكوناته السياسية والثقافية والاجتماعية. ثانياً: الشمولية في الوصول إلى كافة المجتمعات المستهدفة، ومشاركة الأفكار، والقيام بالوظائف الأساسية للخدمة العامة الإذاعية والتلفزيونية، المتمثلة في الأخبار وتقديم المعلومات وفي التعلم والترفيه، ثالثا: التميز في الخدمة، أي الانتقال من المنافسة التقليدية إلى التميز والإبداع، رابعاً: التنوع من خلال القدرة على تمثيل كافة فئات المجتمع. خامسا: المساءلة من خلال ضمان حق الجمهور في تصحيح الأخطاء، ومحاسبة وسائل الإعلام، وتقديم الشكاوى وتمثيل الجمهور في مجالس التحرير.
إن الأخذ بالمعايير والقيم السابقة، لا يعني وجود طريقة واحدة للتحول نحو نموذج الخدمة العامة، فهناك اختلافات واضحة في الجوانب الثقافية، وفي مستوى التطور الاجتماعي والسياسي والتشريعي في كل دولة، الأمر الذي يفتح المجال لكل دولة لأن تطور نموذجها الخاص في الخدمة العامة.