هل يَأفَلُ نجم «الأردوغانية» أم يزداد سُطوعاً؟

سيَدخل السابع من حزيران 2015، التاريخ التركي الحديث من أوسع أبوابه، بما هو اليوم الذي قرّر فيه الأتراك القطع بين مرحلتين، الاولى التي استمرت كـ (ظاهرة) منذ العام 2002، عندما جاء الى الحكم حزب اسلاموي انشق عن الزعيم والاب الروحي للاسلام السياسي التركي نجم الدين اربكان، ليقود تركيا عبر ثنائي بدا منسجماً ذات لحظة، وهما عبدالله غل ورجب طيب اردوغان، ثم ما لبث الاخير ان انفرد بالقرار والسلطة وأمسك بخيوط الحكم (والحزب) كافة، ولم يختلف عن اي «ديكتاتورية» سياسية او عسكرية، سوى انه جاء عبر صناديق الاقتراع، لكنه تجاوز المألوف وداس على الدستور وضيّق على وسائل الاعلام وسجن الصحفيين وطاردهم ونكّل بالقضاء وبطش بالجيش وجهاز الشرطة، ولم يتورع عن اتهام المعارضة، شخصيات واحزاباً، بالخيانة والعمالة واستخدم كل الأسلحة التي بمقدوره استخدامها وبخاصة في تسعير المذهبية والطائفية والحط من هوية القوميات الاخرى، التي تُكَوّن النسيج الاجتماعي التركي وبخاصة الكرد والأرمن والعلويين.

اليوم يذهب الأتراك لاختيار مجلس نواب جديد مكون من 550 نائباً، ليس من مبالغة وصفه بأنه «أم المعارك» التي سيتقرر على نتائج «صناديقها» مستقبل «الاردوغانية» التي بالغ كثيرون في التغني بانجازاتها واعتبارها مثالاً يحتذى في التنمية واخراج الاقتصاد التركي المتعثر من ازماته والسير به الى المرتبة السابعة عشرة في الاقتصادات العالمية الكبرى، فضلاً عن المكانة الاقليمية والدولية المرموقة التي احتلتها انقرة، بعد ان كانت مثالاً ساطعاً على عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية وفساد النُخب السياسية والحزبية، وغيرها من تلك الصفات التي يحلو لبعض العرب وخصوصاً، تيارات الاسلام السياسي، التغني بها وتبرير كل المقارفات والارتكابات التي تقوم بها سواء على صعيد داخلي، وبعد ان آلت ديمقراطيتها المزعومة الى ديمقراطية انتقائية، ولم يعد رئيس الجمهورية يلتزم الدستور الذي يُجبره على ان يكون محايداً في المعركة الانتخابية (وغيرها) وان لا يتدخل في اي شأن حزبي وخصوصا ان تركيا ذات نظام برلماني كرّسه كمال اتاتورك عندما أعلن الجهورية في العام 1923.
هل قلنا النظام البرلماني؟
نعم... فهذا هو ما يصوّب عليه اردوغان بهدف الغائه، وتحويله الى نظام جمهوري، تكون الكلمة فيه لرئيس الجمهورية على الطريقة الاميركية، بهدف حجز مكانة له في التاريخ التركي الحديث كمؤسس ثانٍ للجمهورية (بعد اتاتورك) ولكن في اطار اسلاموي وليس علمانياً، على ما قام به مصطفى كمال عندما الغى الخلافة وقام بـ «تغريب» تركيا، وقطع اي صلة بها مع الاسلام او حروف اللغة العربية التي كانت تُكتب بها اللغة التركية.
قد لا يتمكن اردوغان من تحقيق حلمه وهدف حياته والذي بدونه سيخسر ربما مستقبله السياسي او اقله انفراط عقد حزبه وعدم تمكنه لاحقا من تشكيل حكومة منفردة او حتى ائتلافية، اذا ما تمرد عليه «عدد من النواب» يمكن ان يسحبوا منه هذه الفرصة، ويضيّقوا عليه هامش المناورة حتى لو تحالف مع الحركة القومية المتطرفة التي تُكنّ «عداء» مُعلنا للاكراد وطموحهم في الاعتراف بخصوصيتهم الثقافية وهويتهم القومية في اطار الدولة التركية (حتى الان بالطبع).
كرد تركيا إذاً هم بيضة القبان، وهم الان ايضا امام اختبار صعب وخيارات محدودة، بعد ان استظلّوا براية «حزب الشعوب الديمقراطي» الذي يتزعمه صلاح الدين ديميرطاش، ولم يلجأوا للترشح «فردياً» ما يعني انهم إما ان يدخلوا البرلمان كحزب او يَخْلُوا البرلمان الجديد من اي تمثيل لمن يوصفون بانهم الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني (P.K.K) الذي يتزعمه عبدالله اوجلان.. وهذا الحضور النيابي يحتاج الى نسبة 10% من اصوات الناخبين، وهنا يكمن «الرهان».. رهان ديميرطاش ورهان اردوغان، فالاخير «يتمنى» ان لا يتجاوز حزب الشعوب نسبة الحسم ما يعني ان «اصواته» ستؤول اليه وهذا يمنحه اغلبية مطلقة داخل البرلمان، ليفعل ما يريد، سواء في تعديل الدستور وتحويل النظام الى رئاسي ام في تشكيل حكومة منفردة كما فعل طوال الثلاث عشرة سنة الماضية، أما اذا اجتاز حزب الشعوب الديمقراطي هذه النسبة وربما اكثر منها (12%–13%) فإن حلم اردوغان سيتبدد او ان هامش مناورته سيضيق جداً، وقد يضطره لخطوات غير متوقعة وخصوصاً ضد قادة الحزب وفي مقدمتهم رئيس الحكومة، احمد داود اغلو.
هل بدأت «الاردوغانية» مسيرة السقوط؟ ام ان صاحب اللسان السليط والمغرور والعنيد والمتطرف في عدائه للعروبة كقومية وهوية، سيعزز موقعه ونفوذه ويزداد استعلاء؟
.. الصناديق ستقول والانتظار لن يطول.