الإقصاء ثقافة وزارة الثقافة


مهمة وزارة الثقافة الأردنية حسبما نفهم من ترديد أقوال من يتبوأون مناصبها على اختلاف مواقعهم, نشر الثقافة الوطنية التي يعدونها الحصن المنيع, والمعقل الأخير أمام قوى المد الفكري المناوئ لكينونة الأمة, والفعل الناضح عن الوزارة يخالف القول, فتسعى من خلال أذرعها الخفية التي تختبئ وراءها باسم "المقيمين" و"الأكاديميين" و"الخبراء" و"اللجان", بإقصاء أصحاب الثقافة الرصينة, والكتابة الجادة, واللغة الفصيحة, وترسخ الضوضائية المبهمة, والغوغائية المجلبة, التي يركبها كتاب صنعتهم الوظيفة إما في دوائر وزارة الثقافة ذاتها, أو في الصحافة المحلية, أو ممن تدفعهم بعض الأحزاب بأفكارهم المخالفة للعقيدة الوطنية, فتسيَّد المشهد الثقافي الأردني, ثلة قليلة لم تتبدل منذ عهد قديم, فصاروا سدنة الفكر, وأحبار الثقافة, يقربون من يريدون, ويقصون من يشاءون, بثقافتهم الجانحة, وكتابتهم الركيكة التي تفتقد أدنى حدود الأدب "الثقافي" و"الأخلاقي", فخلطوا الفصحى بالعامية سلامة لأنفسهم من الوهن اللغوي, تحت مسمى الحداثة الرطينة, وتخطوا خيوط الحياء ادعاءً بحرية التفكير, حتى صارت الثقافة الأردنية ذات لون وطعم واحد, لا يتعدى ما يصدر عن ألسنة الرطناء اللكناء, وشاتمي الوطن, ومدنسي قداسته وطهارة أهله...
خروجا عن صفة التواضع التي لا أحبذ الخروج عنها أقول, بأنني شاعر مخر عباب الأبحر العروضية بثلاثة دواوين ومخطوط ديوان رابع, وروائي له وروايتان إحداهما سياسية اجتماعية في طبعتها الثانية, والثانية توثق حياة أهل الحاضرة, ومخطوط رواية ثالثة مدار بحثها عن "علاقة الروح بالجسد", وكتاب في "أعراف أهل البادية" قيد العادات والتقاليد والقيم البدوية, وكتاب "الأباهر والخوافي في العروض والخوافي" وضعته بالقرب من بيئة الخليل بن أحمد, تبنته إحدى دور النشر الأردنية عندما اعتذرت عنه جامعاتنا الوطنية ما لم يكن باسم أحد أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة التي ستعتمده. ثلاثة من إصداراتي جاءت بدعم من وزارة الثقافة, وهي بذات السياق اللغوي, وهو ما يدغم اعتذار وزارة الثقافة مؤخرا عن نشر الديوان الثالث "رعاف الجبال", اعتمادا على رأي المقيم الذي قال في الأسباب الموجبة للرفض: "إن القصائد جاءت بكلمات وتعابير لا يمكن للقارئ أن يفهمها, فهي أعلى من مستوى الشخص القارئ, حتى لو كان مثقفاً". وأيدت وزيرة الثقافة الدكتورة لانا مامكغ رأي لجنة النشر الذي استند لما أفضت به عبقرية المحكم الحكيم, فردت اعتراضي الذي تقدمت به, ولعل الذريعة الواهية كانت أقوى سببا لاعتماد النشر منها لترسيخ مبدأ الاعتذار.
أؤكد, بأنني لست متسولا, ولا متوسلا, ولست ممن يبحث عن الكسب كما الذين ملوا "سلالم الطائرات", وضجروا صخب العواصم وهم يجوبون مشارق الأرض ومغاربها تمثيلا للثقافة الأردنية ولا يملكون منها ما يقيم الأود, سوى أن مواقع وظائفهم فتحت لهم الأبواب, وشرعت لهم الآفاق باسم الثقافة, فلم يعودوا موظفين يراعون شؤون المثقفين, بل تحولوا إلى سيوف مسلطة على رقاب من يمارسون عناء الكتابة وهم يقضمون الصوان, ويقبضون على جمر الفقر.
ما نكتبه أنا وغيري من الجادين غير "المتوصلين", حصيلته في ذخائر الوطن, وإن حاول البعض لوك الكلام بدون أضراس تفنيدا زائفا من لدن أنفسهم, فرأيهم أضعف من أن ىستمع له, فمن واجب وزارة الثقافة الاعتناء بما يخرج من سنان اليراع بعد شدة العناء, لأجل النص لا لأجل الشخص... كونوا أتقياء أنقياء أمناء,