منعة واستقرار الاقتصاد الأردني

أظهر تقرير البنك الدولي الفصلي حول الاقتصاد الأردني، أنه برغم كل الضغوطات والظروف الإقليمية، وبخاصة الناجمة عن الأزمة السورية، فإن الاقتصاد استطاع أن يصمد ويستمر في النمو، وإن كان بشكل متواضع. وبالرغم من أن النمو الحالي أقل من الطموح، إلا أنه بذاته غاية في الأهمية، لأنه يعكس درجة مهمة من التعافي والاستقرار الذي يحتاجه الاقتصاد، ويمكن البناء عليه مستقبلاً لتعظيم فرص النمو الذي تنعكس نتائجه على الفئات الاقتصادية، ولردم الفجوة بين المحافظات، كما أكد على ذلك وزير التخطيط والتعاون الدولي عماد فاخوري.
لكن ما أثار اهتمامي في التقرير، وأشار إليه رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، في افتتاحه المؤتمر والمعرض الدولي الشامل، هو أن قطاع الإنشاءات كان المحرك الأكبر للاقتصاد الوطني في المرحلة الماضية، وبمساهمة مهمة من قطاع التعدين. وذلك يعني أن القطاعات الأخرى كانت مساهماتها متواضعة، ولم تشهد نسبة النمو التي تميزت بها.
بالطبع، لا يمكن إهمال أهمية قطاع الإنشاءات تاريخياً في الاقتصاد الأردني. لكن لا بد من تفحص الأسباب التي أدت لهذه المساهمة الكبيرة في النمو الاقتصادي، ومدى استدامة النمو في هذا القطاع، وأيضاً ما إذا كانت نسبة النمو الجيدة نسبياً قابلة للاستدامة حسب المؤشرات الحالية. وهناك ثلاثة محركات لنمو قطاع الإنشاءات في المرحلة الماضية:
أولاً، اللجوء السوري. إذ ساهمت الأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين في زيادة الطلب على المساكن في مناطق عدة من المملكة، ما يساهم من دون شك في زيادة حركة الإنشاءات والبناء، لاسيما أن بعض المؤسسات الدولية تساهم في تغطية تكاليف السكن لنسبة ليست بسيطة من اللاجئين. ويضاف لذلك النمو السكاني الطبيعي المرتفع أيضاً، في زيادة التوسع بهذا القطاع.
ثانيا، التحويلات المالية للأردنيين العاملين في الخليج، وهو ليس عملا طارئاً أو جديداً في تأثيره على هذا القطاع؛ إذ يعلم الجميع أن القطاع المفضل لاستثمار تلك التحويلات هو الإسكان والأراضي.
ثالثا، زيادة الإنفاق من المنحة الخليجية، والتي يذهب جزء كبير منها على مشاريع البنية التحتية، مثل المدارس والشوارع والمباني للمجتمعات المحلية والجامعات ومؤسسات العمل التطوعي والخيري.
وقد تكون هناك محركات أخرى، لكن هذه هي العوامل رئيسة. وتكمن الإشكالية في نمو هذا القطاع -الذي أدى الى ارتفاع نسبة النمو الإجمالي- في ثلاثة أبعاد: أولاً، أن محركات نمو القطاع غير مستدامة أو غير قابلة للاستدامه. وثانيا، تدني القيمة المضافة لهذا القطاع فيما يتعلق بالعمالة، إذ إن غالبية هذه العمال غير أردنية. وثالثا، إخفاء القطاعات التي تواجه صعوبات نتيجة للظروف والمشاكل الإقليمية، مثل قطاع الصناعة، وبخاصة الصناعات الوطنية، التي هناك إجماع على الصعوبات التي تواجهها، وفي الوقت نفسه إجماع على أهميتها للاقتصاد الوطني.
النتائج التي جاء بها التقرير الدولي مهمة، لكن لا بد من دراسة معمقة لها، ومحاولة الاستفادة من نتائجها في بعض السياسات، وعلى مستويين: الأول، محاولة الاستفادة من النمو المتوقع أن يستمر في قطاع الانشاءات، في استحداث برامج سريعة لتوظيف الأردنيين بهذا القطاع، لاسيما أن هناك نسبة مرتفعة من المتعطلين من ذوي التحصيل العلمي المتدني. والثاني، ضرورة دراسة إمكانية اتخاذ إجراءات سريعة لمساعدة أكثر القطاعات المتأثرة سلباً من الظروف الإقليمية السلبية، كالصناعة مثلاً.
أضعف الإيمان أننا نحتاج لدراسة معمقة ومتخصصة ليس فقط لفهم ديناميكات النمو الاقتصادي في هذا الظرف الاستثنائي، وإنما أيضاً الخروج بتوصيات تعظم الإيجابيات وتعالج السلبيات في أداء الاقتصاد الأردني.