القصة ليست الرجوب

بعكس الحالة الشعبية الفريدة التي سادت عقب إعلان خبر استشهاد الطيار معاذ الكساسبة، فرسمت لوحة فسيفسائية غاية في الروعة؛ بتنوع مكوناتها وتماسكها في الآن ذاته، وبما جسّد الروح المشتركة في المجتمع الأردني، والتوحد الاستثنائي بين مختلف أطيافه؛ بعكس ذلك تقريباً جاء التعاطي مع قضية تصويت رئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني جبريل الرجوب، للأمير علي بن الحسين في انتخابات رئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، قبل أيام. إذ رأينا أبشع ما لدينا؛ "حربا فيسبوكية" قسمت الناس تبعا للأصول، ولدرجة تجعل القلوب تخفق خوفا مما يختفي تحت الرماد.
ليست هي المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة التي نشهد فيها اختلافا في المزاج العام، حد التناقض، بشأن بعض القضايا. لكن مجموعة أحداث أخيرة، عكست حجم المشكلة التي يعاني منها المجتمع الأردني، مع غياب الحلول المطلوبة لمعالجتها.
فعلى مدى الأسابيع الأخيرة، برزت أحداث تؤشر على عمق مشكلة الانقسام العمودي الذي يحدث لدينا، وبدرجة تظهر هشاشة الوضع القائم. فالخلاف يتجلى في مباراة كرة قدم، وفي تصويت الرجوب الحامل لرقم وطني أردني ويشغل في الآن ذاته موقعا رسميا فلسطينيا. وعلى العكس من ذلك، ترى الانصهار حد التوحد خلال المواقف والأحداث العصيبة والقاسية. وبذلك تبدو الحاجة إلى البحث في أعماق أسباب الظاهرة.
أفعال الرجوب، أو ما نقل عنه من حديث وتصريحات، مرفوضة؛ لأن فيها تخلياً عن المسؤولية السياسية لهكذا أفعال، مع إغفال أثرها الخطير، أيضاً، على العلاقة الأردنية-الفلسطينية، وعلاقة الأردنيين من شتى الأصول والمنابت ببعضهم بعضا. لكنّ الرجوب، من جانب آخر، لا يمثل الفلسطينيين، وهو قبل ذلك لا يعبّر عن الأردنيين من أصل فلسطيني.
مع ذلك، يحلو لبعض النخب التلاعب بهذه الثنائية الوطنية، واللعب على وترها الحساس، من دون إدراك لمخاطرها الكبيرة، ومدى التهديد الذي تُلحقه بأمن واستقرار المجتمع، لاسيما عندما يأخذ هذا التلاعب مدى أوسع وأخطر؛ من قبيل مطالبة بعض أعضاء مجلس النواب بسحب الأرقام الوطنية من بعض الأردنيين! فهل يعقل أن ينشغل أعضاء في السلطة التشريعية بالمطالبة بسحب الأرقام الوطنية من أردنيين، فقط نكاية بالرجوب؟!
المشكلة لا تتوقف عند الرجوب الذي ربما لا يبالي بالجنسية الأردنية، لكنها قضية تطال بالتأكيد ما قد يقترب من نصف المجتمع، وتثير مخاوف وقلقا من مثل هذه المطالبات المتسرعة.
اللافت أن النخب تلحق بالعامة. فبعد أن اتسعت المطالبة بسحب جنسية الرجوب الأردنية على مواقع التواصل الاجتماعي، خطا نواب خطوة أوسع من ذلك بكثير، بالمطالبة بذلك من تحت قبة ممثلي الشعب.
مثل هذا الفعل يخلو من المسؤولية، لمعرفة الجميع بمدى حساسية الأردنيين من أصول فلسطينية لهذه القصة، خصوصا أنها هددت واقع بعضهم، وحرمت بعضا آخر من حياة آمنة مستقرة.
سحب الجنسية لا يتم عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. ومجرد طرح فكرة تجريد أردنيين من جنسياتهم يكشف حجم المشكلة في ثنائية هذه العلاقة. والأولى أن يسعى المشرعون إلى معالجة الاختلالات القائمة، لا توسيع حجم المشكلة والمتاجرة بها.
من حق الناس أن يغضبوا وأن ينحازوا للأمير علي. لكنْ يلزم أيضاً إدانة كل من يتلاعب بالناس عبر خطاب غرائزي، "يقسم العرب عربين"، بدلا من توحيد المجتمع لتمتين الجبهة الداخلية التي تعد رأسمال استقرارنا، ولطالما كانت وصفتنا لعبور كل المحطات الصعبة.
ومن ثم، فإن تكرار الحادثة/ الخطاب مع كل مفصل حساس، يعني الحاجة إلى وصفة علاج شاملة، تتعامل مع مظلومية الأردنيين على اختلاف أصولهم؛ فلكل منهم مشكلاته. وأساس الحل هو المواطنة الحقيقية.
القصة ليست الرجوب، بكل أخطائه؛ فما يعنينا جميعاً، وفقط، هو الأردن، بكل أهله.