تركيا.. من معان إلى غزة

يذهب السفير التركي في الاردن سادات أونال إلى مدينة معان ويلتقي عددا من وجهائها، ويتناول المنسف، طعام الغداء، عند مستضيفه، ويطلع على عدد من المواقع الأثرية التي تعود للحقبة العثمانية الموجودة في معان، ومنها سكة الحديد وقصر الملك المؤسس، ويتبرع باسم الحكومة التركية بإعادة ترميم مسجد معان الكبير بمبلغ مليون و400 ألف دينار، ترفضها الحكومة الأردنية فورًا، وتحتفل بالزيارة والحدث وتنشر صورًا كثيرة وسائل الاعلام المحسوبة على الاخوان المسلمين.

وزارة الشؤون الدينية التركية ووكالة التنسيق والتعاون التركي "تيكا" الحكومية، تصل الى قطاع غزة وتنظم أضخم عرس جماعي لابناء القطاع، أربعة آلاف عريس ضمن قائمة الحاصلين على مساعدة مالية بقيمة ألفي دولار، قيل في البداية انهم من أبناء الشهداء وذوي الاحتياجات الخاصة ومن أصحاب البيوت المدمرة ومن أبناء الأسرى ومن جرحى الحرب الأخيرة على غزة. لكن تبين ان كل العرسان من جماعة حماس ومحاسيبهم، اعترض على العرس سكان في قطاع غزة تم استثناؤهم من الفرصة، واحتفلت "الجزيرة" اكثر من غيرها في وسائل الاعلام بالحدث الكبير.!

تكلفة العرس وصلت أربعة ملايين دولار، وذلك تزامنا مع الذكرى السنوية الخامسة لمقتل عشرة أتراك بين 500 متضامن لدى تعرضهم لهجوم إسرائيلي في طريق إبحارهم على سفينة "مرمرة" لكسر الحصار على غزة، وفوق كل هذا وذاك، يعلن القيادي في حماس اسماعيل هنية عن تبرع تركيا ببناء 20 برجا سكنيا تتضمن 340 شقة في إطار إعادة الإعمار في قطاع غزة خلال هذا الصيف.

تفعل تركيا كل شيء وتوجه انتقادات لاذعة لاسرائيل خلال السنوات الماضية، بسبب سياسات إسرائيل القمعية في فلسطين، منذ قصة اوردوغان الشهيرة مع بيريز في مؤتمر دافوس عام 2009 الى قطع العلاقات بعد حادثة سفينة "مرمرة"، إلا أن التجارة الثنائية بين تل ابيب وانقرة انتعشت.

وتظهر الاحصاءات الرسمية، تجاوز حجم التجارة الثنائية بين البلدين 5,7 مليار دولار عام 2014، وهو ما يمثل ارتفاعا بلغ 50 من مئة عن عام 2009، برغم التوترات الدبلوماسية المستمرة.

لا اقصد لوم تركيا على تمددها في المنطقة والعالم، فهي وايران واسرائيل لكل منها مشروع في المنطقة، تفصل سياساتها وبرامجها واعمالها حسب مصلحة هذا المشروع، ولا يمكن مواجهة هذه المشاريع بالمعارضة والكلام السياسي، بل بمشروع عربي للاسف غير موجود، لا بل وتصغر المشاريع القطرية اكثر واكثر، وتتقاسم على مقاييس طائفية، مَن مع السنة ومَن مع الشيعة، وفي خضم هذه الفضاءات السياسية الخرقاء ضاعت، العراق وسورية واليمن، وتورطت السعودية والخليج، وتعثرت مصر، وآفاق الفوضى قد تصل الى ما لا نتمناه.

ليس المهم ماذا تفعل وتريد تركيا، المهم ماذا نريد نحن؟!.