السياحة الدينية الإيرانية في الأردن

أخبار البلد-  ايمن ابراهيم الشريده

أصبح مفهوم الاستثمار في السياحة ركنا اساسيا في تسريع عجلة الاقتصاد الوطني لأي بلد من البلدان، وهي ايضا مناسبة للتذكير بجدوى البناء على ركائز صناعة سياحية دينية في الاراضي المقدسة الاردنية، . وهكذا جاء الاهتمام الايراني الرسمي بتفعيل صناعة السياحة الدينية في الديار الاسلامية لزوارها عبر اتفاقيات رسمية مع الدول ذات العلاقة، مبدية كل الدعم المالي والاستثماري لإنجاح هذا التوجه بما يعود بالربح المادي والتقارب الثقافي بين الشعوب المسلمة. ولا أدل على تفسير منحنيات هذه المقاربة التاريخية في أبعادها المختلفة من زحوف الحجيج الوافدة فرادى وجماعات من بلاد الشرق – الهند ماوراء النهر، البنجاب، ايران، الأناضول – لزيارة الأراضي المقدسة في مكة والمدينة والقدس، وفيها لمن لا يعلمون مشاهد أصحاب الكهف ومزار سيدنا شعيب (ع) ومزارات الأئمة من آل البيت عليهم السلام، أعقاب الحسين بن علي في جبل عامل، وأعقاب العباس بن أبي طالب في طبريا قرب الغور الأردني وأشياعهم في عمان الأردنية، وأعقاب أبو السرايا أحمد بن محمد بن زيد العلوي نقيب الطالبيين، والفضل بن العباس ابن عم الرسول "ص" في الرملة، ومشهد نقيب السادة الأشراف في صفد، ومشهد السيدة سكينة بنت الحسين في طبريا، ومشهد الحسين بن علي في عسقلان، ومشهد فاطمة بنت الحسين في مدينة الخليل، اذن ومن باب التذكير اليوم، فإن اهتمام الحجيج الايراني بهذه الزيارات عبر الاردن واليها ليس وليد اللحظة، وقد أبدت الحكومة الايرانية رسميا في عقد الثمانينات والتسعينات اهتماما بالغا بمراقد آل البيت عليهم السلام في الأردن أيام حكومة الشريف (الأمير) زيد بن شاكر، لإعادة ترميم وتذهيب قبب وفناءات المشاهد المباركة على نفقتها الخاصة، بل وقدمت ايران عروضا سياحية دينية مغرية لبناء نُزل واستراحات وفنادق ضخمة لاستيعاب اكثر من ثلاثمئة زائر ايراني، وفي السنوات الأخيرة 2009-2013 ولتشجيع السياحة الدينية والنقل والتجارة الايرانية، تم تقديم اقتراح ايراني لمد خط سكة حديد ايران- العراق (النجف وكربلاء) -الاردن (العقبة)، وتوقع مهتمون بهذا الاقتراح أن يصل ثلاثمئة حاج ايراني يوميا إلى الأردن عبر القطار في طريقهم إلى مكة، أو المسجد الأقصى في بيت المقدس، ومشاهد الصحابة في الأردن، إن كان ذلك ممكنا سياسيا، وتصبح وكالات السياحة الأردنية هي الوسيط الناقل لرحلات الحج الايرانية إلى المسجد الاقصى أيضا. وتوقع المهتمون أيضا بأن هناك امكانية لتوسيع الدائرة لتسيير رحلات جوية، لتصبح هناك ضرورة بناء مطار ناقل في الكرك لهذه الجموع،. لا شك أن هذه الجموع سوف توفر انتعاشا تجاريا واقتصاديا لقطاع السياحة الاردنية الذي يعاني من ركود سياحي واضح، مضافا إلى ما توفره من عملة صعبة للاقتصاد الاردني تفوق المليار دينار سنويا، بإمكان القطاع السياحي الاردني توظيفها في توفير آلاف فرص العمل للتجار، والمقاولين، وشركات الإنشاءات، والبناء، وقطاع النقل والمواصلات، وأصحاب الحرف اليدوية، والأدلاء السياحيين، وخريجي تخصص اللغة الفارسية من الجامعيين الأردنيين. بالمقابل هناك هواجس امنية من أن حالة الاحتقان الطائفية التي اجتاحت المنطقة العربية بعد الحرب العراقية الايرانية 1989-2015، جعلت هكذا زيارات ايرانية أقل ترحيبًا من الجهات الرسمية الأردنية، والشرائح الشعبية، وباقي القطاعات الأخرى، وأصبحت المسألة لا ترتبط بتوقيع اتفاقية سياحية بين وزارة السياحة الأردنية أو شركات السياحة الاردنية مع الجانب الايراني، بل بعبارة أخرى أصبحت من اختصاصات دوائر الأمن الوطني الأردني بسياقاته المختلفة، التي تدرك حجم النتائج الأمنية من جراء فتح باب رحلات الحج الايراني إلى الأردن، وفي ظني أن رسوبات الاقتتال الطائفي السني – الشيعي في العراق وسورية واليمن، والشحن الاعلامي المذهبي ضد ايران ودورها في ذلك، أدى إلى نكوص الجهات الأمنية الأردنية في الوقت الراهن عن فتح هذا الباب، برغم مزاياه وعوائده المالية المغرية للقطاع السياحي، اذ باعتقادهم أن السيّاح الإيرانيين لن يأتوا ببساطة للاستمتاع بما تقدّمه البلاد، بل سينشطون في العمل على نشر عقيدة التشيع وتشييع المنطقة بكل الأساليب الترغيبية والترهيبية، وأن إيران "تثير المشاكل أينما وُجِدت" كما في العراق وسورية. لكنني اعتقد أن تركيا يدخلها أكثر من 2 مليون سائح ايراني سنويا، ولم نسمع عن وجود تبعات أمنية طائفية في تركيا، وفي الوقت نفسه يدخل إلى سورية سنويا من الزوار الايرانيين ربع السياح الأجانب الداخلين الى سورية؛ حيث وصل عددهم الى 250 الف ايراني سنويا، ولم نسمع قبل الثورة السورية عن اقتتال سني – شيعي في سورية كما نراه اليوم في هذا البلد، وقِس على ذلك في العراق، فإن قوافل الحج الايراني إلى النجف وكربلاء كانت تسير منذ القرن الرابع عشر الميلادي 1300م، ولم تحدث اصطفافات واقتتال سني – شيعي بشكل كبير كما نراه اليوم، وأحسب أن العامل السياسي هو المسبب الرئيسي لهكذا احتكاكات مذهبية طائفية اليوم وخاصة مع انتهاء الحرب العراقية الايرانية. إلى جانب هذا وذاك فإن أسبابا أخرى لعبت دورا في تخريب صورة الشيعة في العالم السني، وهي السلفية الوهابية من خلال نشر فتاوى وأحاديث مبالغ فيها عنهم، أدت إلى تخوف رسمي وشعبي في بلد يعتبر نقيا من أي اصطفافات مذهبية كالأردن. أصبحت الجنسية الايرانية جنسية مقيدة مع الاسف، لا يمكن لأي سائح ايراني أن يدخل المملكة إلا بعد حصوله على تأشيرة دخول، بمعنى أن سائحيها لا يمنعون من دخول المملكة، إنما هم بحاجة للحصول على تأشيرة لهذه الغاية، وفي حال تمت الموافقة على منحهم إياها يمكنهم بطبيعة الحال السياحة بالأردن. إن قيود السياحة الإيرانية للأردن مستمرة ليست الأمنية منها فقط بل وتحكمها بعض الأنظمة والإجراءات، ومنها اشتراط كفالة بمقدار 5 آلاف دينار أردني (7 آلاف دولار) عن كل سائح إيراني، يقدمها مكتب السياحة المعني، وضرورة الحصول على تأشيرات مسبقة قبل قدوم السياح الإيرانيين، ورغم ذلك فقد بلغ عدد الزوار الايرانيين عام 2005 حوالي 2294 زائرا، انخفضت النسبة الى 661 زائرا عام 2007 بسبب سخونة الأوضاع في العراق. إن بعض الهواجس الأمنية الرسمية والشعبية في هكذا جو اقليمي، هي منطقية إلى حد كبير، ويجب أخذها بعين الاعتبار كأولوية وطنية بالدرجة الأولى عند الحديث عن أمن الأردن أولا وأخيرا، لكننا بنفس الوقت علينا ألا نبالغ بهكذا هواجس أمنية تجاه مخاطر تدشين رحلات سياحة دينية ايرانية، قد تؤدي إلى مرحلة الانغلاق السياحي والثقافي عن هكذا سياحة، بل بامكان الجهات الامنية الاردنية عمل دراسة مستفيضة لهذا الموضوع، ووضع الشروط وأخذ الاحتياطات الأمنية اللازمة ، بحيث تضع البعد الأمني للبلد في دائرة الضوء، ومن التوصيات التي يمكن أن تقلص منسوب درجة الهاجس من تسيير هكذا سياحة دينية، هو توقيع اتفاقية اردنية – ايرانية ملزمة للطرف الايراني بضخ اعتماد مالي كبير للطرف الاردني بغض النظر عن اعداد الزوار القادمين صيفا او شتاء وبغض النظر عما ينفقونه اثناء وجودهم في الاردن، كما يمكن اعتماد برنامج السياحة الفردية والعائلية أمام الايرانيين الراغبين في زيارة الاردن، وفي ظني سيكون هذا البرنامج استهلالا ناجحا أمام هذا الامتحان، ثم الانتقال إذا ما تطلب الأمر إلى اناطة مهمة مرافقة الأفواج الايرانية بالجهات الامنية الأردنية ذات الاختصاص، كما فعلت ايران مع العراق، عندما اناطت أفواج زوارها بالجهات الأمنية التي يشرف عليها عدي صدام حسين مباشرة، درءا لأي انفلات هنا وهناك. ويمكن للجانب الأمني الأردني بعد فترة اشتراط تحديد عدد الزوار الايرانيين بشكل تتابعي، بل وتحديد فترة الاقامة حسب الحالة الراهنة، وله الخيار باشتراط تحديد عمر الزائر الايراني بألا يقل عن 60 عاما مثلا، وذلك لضمان عدم وجود عناصر أمنية ايرانية كبيرة مع وفود الزوار، ويمكن للجانب الأردني بطبيعة الحال أن يقترح على الجانب الايراني عدم رفع رايات سود أو خضر، أو احياء مراسم الحسينيات في فناء المشاهد المباركة في الكرك أيام مُحرم وعاشوراء، لعدم إثارة حفيظة غضب شعبية اردنية، وفي موضوع ذي صلة فيمكن اشتراط عدم عقد لقاءات سياسية أو مذهبية جانبية بين نخب وساسة وأفراد أردنيين مع وفود الزوار الايرانيين من باب درء شبهات غامضة، و منها على سبيل المثال ضمان عدم توزيع كتب ومنشورات تدعو للتمذهب والطائفة. إن الشفافية والثقة والبناء عليهما هما أساس نجاح صناعة السياحة الايرانية – الاردنية المشتركة حاضرا ومستقبلا، التي إن سارت بوتيرتها المرسومة غير المسيسة، ستجلب للأردن مشاريع استثمارية نفطية وغازية وبناء جامعات لتقريب المذاهب الاسلامية.