بدأ العد التنازلي للاستحقاق التركي الكبير


 

ستة أيام فقط، تفصلنا عن السابع من حزيران، ربما هو اليوم الأهم او ام المعارك التي يخوضها رجب طيب اردوغان «دفاعاً» عن مستقبله السياسي، او للدقة، لإحكام قبضته على المشهد السياسي والحزبي التركي ولإحداث نقلة نوعية وغير مسبوقة منذ نحو قرن في بنية الجمهورية التركية التي اسسها مصطفى كمال اتاتورك، بنظامها البرلماني المستمر حتى الآن، لكنه قد يتعرض الى تغيير حقيقي، بناء على رغبة او طموح او نرجسية أردوغان - اذا ما قُيّض لخطة الرئيس التركي الحالي ان ترى النور، بمعنى استبدال النظام الرئاسي بالنظام البرلماني الحالي، وهو أمر ما يزال حتى الآن في خانة الشكوك واحتمالات نجاحه تكاد تهبط الى ما دون الخمسين بالمائة، وهذا مرتبط بعدد المقاعد التي سيحصل عليها حزب العدالة والتنمية، الذي يرأسه اسمياً احمد داود اوغلو، لكن صاحب القرار الاول والاخير فيه، هو اردوغان، الذي يضرب عرض الحائط بالدستور التركي الحالي، هذا الدستور الذي يفرض على رئيس الجمهورية ان يكون «محايداً» بين الاحزاب والقوى السياسية، وان لا يكون طرفاً في المعارك السياسية، لكن الرئيس اردوغان يدير حملة الحزب الحاكم الانتخابية، ولا يتوقف للحظة عن المشاركة في مهرجانات حزب العدالة والتنمية الانتخابية والدعوة للتصويت له، في وجه الذين لا يريدون لتركيا الخير بل ويتآمرون مع اعدائها (كذا)..
هل قلنا يتآمرون؟
نعم، فليس ثمة في المنطقة من يهيم بشغف والتصاق بنظرية «المؤامرة» اكثر من اردوغان، اذا ما استثنينا قادة اسرائيل على اختلاف ايديولوجياتهم ومرجعياتهم الفكرية والدينية والسياسية، حيث تحضر هذه النظرية في اي وقت وعند صدور اي تصريح او انعقاد اي مؤتمر او التئام اي محفل، اذا لم تكن قراراته في خدمة الرواية الصهيونية سواء في الصراع مع الفلسطينيين ام في مكانة اسرائيل (واليهود) في هذه الدولة او تلك، حتى لو كانت الأم والحاضنة والداعية الحنون اميركا، وما يتعرض له باراك حسين اوباما من حملات اهانة وتهكّم مركّزة من قِبل اسرائيل واللوبيات المؤيدة لها، هو الدليل الأبرز والمثال الحيّ، على ما تقوم به دولة العدو الصهيوني، ما بالك اذا كان اوباما وباعتراف المسؤولين في اسرائيل من سياسيين وعسكريين وأمنيين, أن رئيساً اميركياً منذ قيام الدولة الصهيونية على ارض فلسطين, لم يقدم لها مساعدات وضمانات أمنية ومعدات وأسلحة, كما قدّم اوباما الذي سبق اسلافه في احتضان الدولة العبرية..
عودة الى اردوغان؟
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، تزداد عصابية وتوتر قادة الحزب الحاكم, نظراً لما تقوله استطلاعات الرأي-حتى تلك التي تقوم بها مراكز مقربة من حزب العدالة والتنمية - بأن الحزب لن يحصل على اكثر من 40% من الاصوات, ما يعني انه لن يحوز على ثلثي المقاعد المطلوبة لتعديل الدستور وتحويل النظام الحالي الى نظام رئاسي (367 مقعداً من اصل 550) وايضاً ليس بمقدوره, عندئذ, ان يُشكّل منفرداً حكومة ذات لون واحد, ما يعني حاجته للائتلاف مع احد (أو اكثر) من احزاب المعارضة, وحيث يصعب بل يستحيل عليه ان يقبل بالائتلاف مع حزب الشعب الجمهوري بزعامة كمال كيليتشدار (والعكس صحيح) واحتمالات قيام شراكة بينه وبين حزب الشعوب الديمقراطية (الكردي بزعامة صلاح الدين ديمرطاش).. غير واردة، فإن الخيار الوحيد هو الائتلاف مع الحركة القومية وهي تُشاركه في بعض مواقفه من العلمانيين والاكراد.. واذا ما هبطت النسبة التي سيحصل عليها الى اقل من 40% فإنه سيكون عاجزاً ايضاً عن توفير (330 مقعدا) اللازمة لاجراء استفتاء شعبي، يمنحه تفويضاً كي يعدّل النظام البرلماني الحالي الى نظام رئاسي وهو مشروع بات مفصلياً في حياة اردوغان السياسية, لأنه اذا ما أخفق, فإن امكانية اطاحته ستكون واردة رغم انه ما يزال يتمتع بقوة وانصار داخل الحزب الحاكم, تمنحه فرصة تصفية خصومه المتربصين به، قبل ان تصل خططهم لاضعافه الى مرحلة التنفيذ..
ماذا عن سوريا؟
ما كشفته صحيفة «جمهورييت» التركية، وما بثته من صور وشرائط فيديو عن قيام حكومة اردوغان (قبل ان يصبح رئيساً) بارسال شحنات اسلحة الى جماعات المسلحين السوريين المتشددين, اصاب اردوغان واوغلو بحال غير مسبوقة من الهستيريا والارتباك, بعد أن تخفيّا خلف مزاعم، انها كانت ارساليات وشحنات لصالح منظمات انسانية, ليرى العالم بالصوت والصورة ما قارفته الاستخبارات التركية بزعامة حقان فيدان، في حق الشعب السوري لتكون ما يُفترض انها ادوية وبطانيات وحليب الاطفال, قذائف هاون وذخائر وأدوات قتل... فضيحة يصعب التستر عليها، وستكون لها استحقاقاتها السياسية بالتأكيد، حيث لم يعد أحد يصدق اسطوانة الاتهامات التي توجّه في كل مناسبة بأن ذلك من تدبير الكيان الموازي (حركة حِزْمِتْ بزعامة فتح الله غولن) أو أن اعداء تركيا لا يريدون لها ان تكون ذات دور ومكانة في المنطقة وغيرها من الهرطقات.
kharroub@jpf.com.jo