هل يهنأ بلاتر بكرسي الفيفا؟

لم أكن متفائلاً بفوز الأمير علي بن الحسين برئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، مع أن الأمير قاد حملة ناجحة ومتميزة استقطبت اهتمام ملايين الشباب من عشاق كرة القدم، ودفعت حديث التغيير وضرورته الى سلم الأولويات في جسد "الفيفا" المؤسسة العملاقة والمترهلة.
انسحب الأمير علي من سباق الجولة الثانية من الانتخابات بعد أن حصد 73 صوتاً مقابل 133ذهبت لجوزيف بلاتر الذي يتربع على عرش "الفيفا" منذ عام 1998 وسيستمر لمدة أربع سنوات أخرى رغم كل اتهامات الفساد التي تلاحق قيادات "الفيفا".
في معركة انتخابات "الفيفا" كان واضحاً أن بلاتر يضمن أكبر قوة تصويتية وهي الاتحادات الإفريقية ولها 54 صوتاً بالإضافة الى الاتحادات الأسيوية ومن بينها العربية ولها 46 صوتاً، في حين أن الأمير علي استطاع أن يخلق أوسع اصطفاف أوروبي علني حيث يملكون 53 صوتاً، في حين لم يظهر بشكل حاسم وواضح اتجاهات اتحادات "الكونكاكاف" 35 صوتاً، و"أوقيانيا" 11 صوتاً، وأميركا الجنوبية 10 أصوات.
المهم في حملة الأمير علي أنها استطاعت حشد التأييد الأوروبي لها وبها أعظم وأكبر الأندية وأشهرها، ومن هذه الدول خرجت الأصوات التي تندد باستمرار هيمنة بلاتر على "الفيفا" ليصفه بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي بالكاذب، ويهدد رئيس الاتحاد البريطاني بمقاطعة كأس العالم 2018 إذا استمر بلاتر على رأس الفيفا، وامتد الامر ليقف السياسيون موقفاً واضحاً وحاسماً من بلاتر مثل رئيس الوزراء البريطاني والمستشارة الألمانية.
وفي اتجاه آخر فإن آسيا وتحديداً اتحادات كرة القدم العربية لم تعرف علناً مواقفها من دعم الأمير، وتذهب الكثير من التكهنات الى الاعتقاد بأن دولا عربية ربطت مصالحها مع بلاتر وعملت له ودافعت عنه وعن سياساته التي يحوم حولها الفساد.
ويُسأل في الشارع مثلاً لماذا هذا الالتباس في موقف اتحاد كرة القدم الفلسطيني الذي يقوده جبريل الرجوب، فساعة يُشاع أنه مع بلاتر وتأتي تأكيدات من مقربين منه بأنه صوت للأمير علي.
الانقسام السياسي العربي أطاح بالمنظومة العربية الرياضية في انتخابات "الفيفا"، فدول الخليج العربي جاهرت بعض اتحاداتها بدعم فاضح لبلاتر وأخرى التزمت الصمت، وحتى مصر والسودان من أفريقيا لم نسمع تأثيراتها في الاتحاد الأفريقي ولم نعرف موقفها الحقيقي أبعد من الشعارات العربية التي تُنبئ عن "حمل كاذب".
رئاسة الفيفا ليست انتخابات بلدية، فهي لا تقل وزناً واهتماماً وتأثيراً عن انتخابات رئاسة دولة كبيرة أو المنافسة على زعامة الأمم المتحدة، وحضور الأمير علي كان علامة فارقة عززت مكانة الأردن، فهذه المؤسسة "الكونية" تسيطر على عقول مليارات الشباب، ومن خلالها يمكن تمرير الرسائل التي تغير الاتجاهات، و"الفيفا" امبراطورية مال لا توازيها أكبر الشركات العالمية ربحاً، فهي "الدجاجة التي تبيض ذهباً"، ولا ننسى أنها أيضاً مكان للصراع السياسي والاقتصادي والنفوذ بين الدول والقارات.
خسر الأمير علي الانتخابات ولكنه استطاع أن "يلقي حجراً في بركة آسنة"، وجاءت التحركات القانونية بإلقاء القبض على سبع من قيادات "الفيفا" واتهام 16 آخرين لتؤكد ضرورة البدء بالتغيير ووضعت بلاتر في زاوية لا يحسد عليها، فهو على رأس منظومة موسومة بالفساد، وظلال هذه الاتهامات يكتوي بنارها وتلاحقه، وأيضاً فإن "شعرة معاوية" بينه وبين العديد من الاتحادات الرياضية قد انقطعت وخاصة أوروبا ولهذا لن يجد الترحيب.
لا يُعرف الى أين تمضي التحقيقات في فساد "الفيفا"، ولا يمكن الجزم بأن رأس بلاتر لن يكون مطلوباً بعد التأكيد بأن التحقيقات مضى عليها سنوات وجمعت أدلة وتسجيلات واعترافات كثيرة.
باعتقادي فإن بلاتر رغم أنه نجح في خطف زعامة "الفيفا" مرة أخرى، فإنه لن يهنأ في هذا الكرسي طويلاً وقد يكون في قادم الأيام متهماً في قضايا الفساد التي طالت كل من حوله، ولن يُقبل بعد ذلك باستمراره.