زلزال «فيفا»

اختلط الحابل بالنابل في زلزال الفساد ،الذي ضرب الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» ،عشية انتخابات رئاسة الاتحاد، وتداخلت الرياضة والسياسة والمال بالعلاقات الشخصية، في تفسير توقيت الإعلان عن الفضيحة، وكانت نظرية المؤامرة حاضرة بقوة.
لست من عشاق الكرة المستديرة، باستثناء متابعات بعض مباريات كأس العالم،والمباريات الهامة في الدوريات الاوروبية، لكنني الاحظ من خلال تواجدي أحيانا في بعض المقاهي، التفاعل الهائل مع مباريات الكرة،والهيجان الجنوني الذي يصيب الكثير من الشباب المتابعين والمشجعين لأندية وفرق بعينها أوروبية، او المحبين لبعض اللاعبين المشهورين، وكم من الوقت يمضون في متابعة الكرة.
فضلا عما تشهده الملاعب من أعمال شغب ، في مختلف انحاء العالم بما في ذلك في بلدنا من أعمال شغب ومشاجرات بين مشجعي الفرق ،وفي مصر قتل العشرات في أحداث كهذه ،خلال السنوات القليلة الماضية ! والسياسة غير بعيدة عن الكرة وتتسبب أحيانا بأزمات بين الدول، كما حدث بين مصر والجزائر قبل سنوات ،والصراع الفلسطيني الاسرائيلي حاضرا في «الفيفا «أيضا.
الحديث عن وجود فساد في «الفيفا «ليس جديدا،فثمة مؤشرات عديدة على ذلك كان يجري الحديث عنها منذ سنوات عبر تقارير اعلامية، وفي أوساط كرة القدم والاتحادات الرياضية، لكن ما حدث الاربعاء الماضي من إلقاء القبض على 14 مسؤولا في «الفيفا «، متهمين بالتورط بقضايا فساد « تلقى رشى وغسيل أموال»، بناء على طلب مكتب التحقيقات الفيدرالي الاميركي»اف بي ىي»،وبدء الادعاء العام السويسري التحقيق في تلك التهم ، كان أشبه بدراما مثيرة ومشوقة لمتابعة الكشف عن» بئر خفايا «ما يدور في الفيفا ،حتى لمن لا يحفلون بالكرة.
وفور الاعلان عن الفضيحة ،ومداهمة الشرطة السويسرية للفندق الذي يقيم فيه المتهمون ،تم ربط القضية باستبعاد أميركا من المنافسة على استضافة كأس العالم عامي 2018 و2022،حيث فاز بتنظيم الدورتين روسيا وقطر، والإشارة الى تلقي المتهمين رشى مقابل ذلك.
لم يعد «الفيفا «جهة تنظم مباريات كرة القدم في العالم فقط ،بل أن كرة القدم تحولت الى صناعة ضخمة بمليارات الدولارات، وتدر أرباحا هائلة على الاتحاد وشركات عالمية كبرى شريكة للفيفا ،مثل «فيزا» الاميركية الراعي الرسمي للاتحاد ،فضلا عن شركات تسويق وإعلانات رياضية ووسائل الاعلام ، فثمة قنوات تلفزيونية تحتكر بث مباريات كأس العالم والدوريات الاقليمية وحتى المحلية، وذلك يدر مداخيل كبيرة على الفيفا ،ويحقق أرباحا ضخمة للقنوات الفضائية التي تشتري حقوق البث، التي تبيعها بدورها الى المشاهدين.
الكرة الساحرة الأكثر شعبية ،أصبحت كرة الكبار والأغنياء ! وبعض الاندية تمتلك موازنات ضخمة ،وبعض نجوم الكرة أصبحوا بسعر الذهب مثل رونالدو وميسي ! فنادي «ريال مدريد» مثلا تزيد موازنته عن «600 «مليون يورو ، ويبلغ سعر لاعبيه ما يقارب «54» مليون يورو، أغلاهم رونالدو الذي يبلغ ثمنه نحو «90» مليون يورو.
الأمر المؤكد،أن ما بعد «الاربعاء الاسود» للفيفا لن يكون كما قبله ،حتى ان بلاتر نفسه الذي هزته الفضيحة، اعتبر أنها جلبت العار والخزي للفيفا، رغم أن عمليات الفساد كانت تجري منذ نحو عشرين عاما ، وبلاتر يتربع على عرش الفيفا،ولا يريد مغادرته الى الأبد ، كما هو حال بعض المسؤولين العرب.
ولفتني ما قاله مدرب ومحلل رياضي ،حيث تكهن بأنه اذا أعيد انتخاب بلاتر سيعزف الكثيرون من جماهير الكرة ،عن حضور المباريات في الملاعب ومشاهدتها عبر التلفزيون ،بمعنى أن مشجعي الكرة سيقاطعونها وربما ستنظم اعتصامات وتظاهرات تطالب بمحاكمة بلاتر.