إعادة تأهيل التعليم


تتكون البيئة التعليمية، من عوامل رئيسية ثلاثة وهي: ( المعلمون والمحاضرون الجامعيون، والطلاب، والمادة الدراسية )، وعندما نجد خللاً في إحدى هذه العوامل، يؤثر ذلك بشكل سلبي على بقية العوامل الأخرى، وعندها يحتاج التعليم إلى إعادة تأهيل، من أجل المحافظة على بنيته الأساسية، التي تهدف إلى جعل أكبر شريحة ممكنة من أفراد المجتمع متعلمين، وأكثر وعياً للتعليم وأهميته، مما يساهم في وجود طلاب خريجين جامعياً، قادرين على التأقلم مع واقع سوق العمل، وتحقيق التطور فيه، فما هي الأسباب التي أدت إلى الحد في نمو البيئة التعليمية؟، وكيف تتم إعادة تأهيل التعليم؟.
لعل التعليم في الوقت الحاضر، يشهد قفزة معلوماتية تكنولوجية، وخصوصاً مع العمل الدؤوب على تطوير المناهج، والتحسين من مكوناتها الفكرية، والثقافية، والعلمية، ولكن لا يكفي كل هذا من أجل النهوض التام في البيئة التعليمية، سواء المدرسية، أو الجامعية، وذلك لوجود مجموعة من الأسباب التي أثرت عليها بشكل سلبي، وتنتج معظم هذه الأسباب من العوامل الرئيسية المكونة لها، وابدأها من: المعلمين والمحاضرين الجامعيين، فبعضٌ منهم يتململون عند اعطاء الدرس، ولا يحضرون له، ويكتفون بالشرح من خلال معلوماتهم السابقة، ويكتفون برؤوس الأقلام، ليدعوا الطلاب تائهين لا يعلمون شيء عن مادتهم، مما ينقل انطباعاً روتينياً مملاً إلى الطلاب، وقد أخبرني طالبٌ، أنه أثناء المحاضرة قام المحاضر بشرح شيء خاطئ، وأكمل دون أن يقوم بتعديله، وعندما وضح الطالب له بأن المعلومة خاطئة، استشاط غضباً، وطلب منه مغادرة القاعة، وفي نهاية المحاضرة، تأكد المحاضر أن الطالب كان محقاً، وفي المحاضرة التي تلتها، أخبر الطالب بأنه لا توجد مشكلة أن يخطأ في شرح شيء، ولكنه ليس بحاجة إلى من يوجهه لهذا الخطأ، بل هو عندما يعلم أنه مخطئ سوف يقوم بتعديل ذلك، ويكمن السؤال هنا: أهذه طريقة سليمة في التبرير من قبل محاضرٍ جامعي؟.
أما بالنسبة للطلاب، فنجد أنهم عندما ينشؤون على عادات معينة اقترنت بالمدرسة سوف ينقلونها معهم إلى الجامعة، وخير مثال على ذلك، التسرب من المدارس، والذي يحمله الطلاب معهم إلى الجامعات، فنجد أن الطالب الذي يكثر غيابه عن محاضراته هو من أولئك الذين لم يتقيدوا في الدوام المدرسي، فعندما نقوم بتصفية طلاب صف ما سواء في المدرسة، أو الجامعة، نجد أن نسبة ليست ببسيطة منهم لا يرغبون في التعليم، وبالتالي يقومون بإثارة المشكلات مع زملائهم الآخرين، والتشويش على الدرس، ليكونوا سبباً أساسياً من أسباب العنف، وعندما يتراجع الطالب في دراسته مدرسياً، يؤثر ذلك على دراسته جامعياً، ومن أمثلة ذلك قرأتُ نصاً لطالبٍ جامعيٍ، كتب فيه يشكر أصدقائه: ( شكرن للجميع وأخيرن تخرجت وعقبال عند الكل )، كنت أعتقد أنه يمزح، ولكن بعد أن قرأت أشياء كتبها سابقاً، صعقتُ لأسلوبه الركيك في كتابة اللغة العربية الفصحى، والتي هي لغته الأم، وأستغرب كيف يتخرج طالبٌ من الجامعة، وهو لا يفرق بين التنوين وحرف النون!.
ويكمن تأثير المادة الدراسية، بأنها حلقة الوصل بين المدرس والطالب، وتحتوي المواد الدراسية المدرسية، والجامعية، على العديد من المعلومات التي يجب أن يتعلمها الطلاب، وعندما نجد تقصيراً من المدرس في إيصالها بطريقة سهلة وبسيطة إلى طلابه، يؤدي ذلك إلى عدم فهمهم للمادة الدراسية، ومن أسباب هذا التقصير، عدم الكفاءة التدريسية عند بعض المدرسين وخصوصاً حديثي التخرج منهم، بسبب عدم كفاية خبرتهم، وأيضاً توجد مسؤولية على الطلاب وخصوصاً من هم في المرحلة الجامعية، فيجب أن يتفاعلوا أكثر مع المادة الدراسية، ويشاركوا في شرحها، والتحضير لها، ولكن نجد أن الكثير منهم يكون وجودهم في الصف الدراسي، وجوداً إجبارياً فقط، فتظهر عليهم علامات النعاس، ويصيبهم شرود أثناء الدرس، وغالباً يكون السبب الرئيسي لحضورهم هو الخوف من الغياب، لتفقد المادة الدراسية بريقها التعليمي، بسبب هذه التصرفات السلبية المشتركة بين بعض المدرسين والطلاب، وعندها تحيد المادة الدراسية عن هدفها الأساسي، ألا وهو العلم.
توجد مجموعة من الإجراءات المقترحة، والتي تساعد على النهوض في البيئة التعليمية، وتساهم في إعادة تأهيليها بشكل أفضل، فيجب أن يتم عقد دورات تأهيلية للمدرسين، وخصوصاً الجدد منهم، حتى يكونوا قادرين على الحوار مع الطلاب، وتقبل الآراء كافة، فعندما يتحول أسلوب التدريس، من أسلوب التلقين الروتيني المتبع، إلى أسلوب تفاعلي يهدف إلى مشاركة الطلاب بإبداء الرأي، والقيام بحل القضايا التعليمية الصفية، والمرتبطة في المادة الدراسية، يساعد ذلك على تطوير التعليم أكثر؛ لأن تأقلم الطلاب، مع الحياة الدراسية يبدأ من التوجيه العائلي لهم، في المحافظة على دراسة دروسهم أولاً بأول، وإدراك أهمية فهم واستيعاب ما يتعلمونه في مدارسهم، لينعكس ذلك إيجابياً عليهم أثناء دراستهم الجامعية، وعندما يتم توجيههم إلى أهمية احترام المدرسة، يساعدهم ذلك على احترام الجامعة عندما يلتحقون فيها، وباتخاذ الإجراءات الاحترازية سابقة الذكر، يساهم ذلك في إعادة تأهيل التعليم بشكل أفضل، فعندما يتم إيصال المادة الدراسية، بطريقة سهلة وبسيطة من قبل المدرسين إلى طلابهم، واستقبالها من قبل الطلاب بفهم واستيعاب، يساعد ذلك على تأهيل التعليم وجعله أكثر مرونة.
إن إعادة تأهيل التعليم، يساهم أفضل مساهمة في علاج الكثير من العثرات، والعقبات، والعوائق، التي تحد من النهوض في التعليم، من خلال تزويد البيئة التعليمية بكوادر تدريسية كفؤة، والعمل على صقلها بطرق فعالة، والعمل على تنشئة، وتربية، وتعليم، الطلاب من خلال الوسائل التعليمية التي تضمن تفوقهم دراسياً، وتساعد على إخراج أشخاص منهم قادرين على التفكير الإيجابي، ومن ذوي الشخصيات الطموحة، والذين يحققون نجاحات عديدة، ويساهم أيضاً في رفد سوق العمل بكفاءات شبابية متطورة، ويساعد على جعل المجتمع أكثر نمواً في جميع نواحي الحياة، فإعادة تأهيل التعليم تزيد من تطوره، ونهوضه، ونجاحه؛ لأن التعليم أساسٌ من أساسات رُقي الشعوب والحضارات.
مجد مالك خضر
mjd.khdr@yahoo.com