الديمقراطية تختار الديكتاتورية!

مؤسف أن تختار الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم، في اجتماعها الخامس والستين أمس، جوزيف بلاتر رئيسا لأربع سنوات مقبلة ولدورة خامسة على التوالي.. مؤسف أن تختار الديمقراطية ديكتاتورا لإدارة شؤون اللعبة، رغم الكم الهائل من الفضائح والرشاوى وتبييض الأموال التي لوثت سمعة الاتحاد الدولي.
قبيل بدء الانتخابات بدقائق خاطب الأمير علي بن الحسين 209 أعضاء يحق لهم التصويت في الجمعية العمومية.. وطالبهم بأن يختاروا الأفضل لإدارة شؤون "إمبراطورية الفيفا".. طالب بأن يحكموا قلوبهم وعقولهم معا، فمستقبل كرة القدم في خطر ولا بد من انتخاب رجل قوي يعيد للفيفا سمعته الطيبة وهيبته.
لكن من المؤسف أن الأكثرية لـ"غاية في نفس يعقوب" اختارت الفساد، وأبقت على "رأس الأفعى" ليدير الفيفا بعقلية "رئيس العصابة"، الذي يتقاسم المغانم مع مساعديه ويبقى غالبا بمنأى عن المساءلة.
من المؤسف أن علينا القبول برأي الأكثرية... هكذا هي الديمقراطية، ولكنها لم تختر الأفضل أبدا.. سيبقى الهواء الكروي ملوثا ومشبعا بروائح الفساد التي انهمرت منذ سنوات طويلة في عهد العجوز بلاتر، ووصلت ذروتها يوم الأربعاء الماضي، عندما تم اعتقال عدد كبير من الشخصيات البارزة في الفيفا والمقربة من بلاتر.
كان بإمكان أعضاء الفيفا أن يختاروا الأمير علي بن الحسين... حيث كانت تلك رغبة الشرفاء والخيرين الذين يتطلعون إلى كرة قدم نظيفة خالية من الرشاوى والفضائح والمنشطات وغيرها.. كان بإمكانهم أن يمنحوا الأمير الشاب المتسلح بالخبرة فرصة كافية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعة الفيفا قبل فوات الأوان.
لست أدري إذا كان كل ذلك الكم من الفضائح والخراب الذي أصاب بيت كرة القدم، ومع ذلك ما يزال الأكثرية يصرون على اختيار الأسوأ.. باعتقادي لا يختار الفاسد سوى فاسد مثله.
عندما وقف بلاتر قبل دقائق من بدء التصويت، ظهر وكأنه يستجدي أصوات الجمعية العمومية، ومن السخرية أن عجوزا بلغ التاسعة والسبعين من عمره، ما يزال يصر على أنه قادر على تسلق القمة وتصويب الوضع السيئ الذي وصل إليه الحال في الفيفا، وكأنه ليس من تسبب بذلك عندما ترأس زمرة كان أكثرهم من الفاسدين.
أولئك الذين اختاروا الأمير علي بن الحسين.. انحازوا للمنطق والعدالة والشفافية.. حاولوا أن يغيروا الحال إلى الأفضل ولكنهم اصطدموا بواقع مؤلم، جسده عدد من أعضاء الاتحادات الأخرى الذين اختاروا الجمود وأصروا على التوغل في طريق الفساد.
لن نقول خسر الأمير علي بن الحسين الانتخابات، بل كسب محبة واحترام الخيرين الراغبين في "تنظيف" كرة القدم من الشوائب.
قيل في الأمثال العربية.. "المجرب لا يجرب"، ويبدو أن الكثيرين ومنهم بعض العرب أصروا على تجريب بلاتر مرة أخرى.. "ذنبكم على جنبكم".