قطار الشرق السريع!

على الفيس بوك صفحة اختار أصحابها أن يسموها: قطار الشرق السريع، الهدف منها لفت النظر نحو مستقبل ونهضة العالم العربي، من خلال أفكار جريئة لمشروعات تنموية تعمل على توحيد شعوب المنطقة، وإيجاد أرضية مشتركة للحوار والمناقشة والتفكير لتخطيط مستقبل مشترك للأمة، في وقت كثر فيه التباين والخلافات إلى الحد الذي يغطي بالكامل كل مجريات حياتنا اليومية!.

 

ويقول أصحاب الصفحة، إن الخلافات الكائنة في المنطقة قد تعمي شبابها عن التخطيط لمستقبل أمته.. بل قد تغذي مقصد تفتيت عناصر هذه الأمة وزرع الفتنة والإحباط بين أبنائها.. فكان لا بد من زرع بذور الأمل والوحدة من خلال سلسلة من الأفكار.. أولها مشروع «قطار الشرق السريع» الذي يتخيل أصحابه مستقبلا ان يكون بمقدور الشاب العربي الانتقال عبره من موريتانيا والمغرب إلى الكويت والعراق.. أو من السودان عبر مصر للبنان.. أو من اليمن عبر الحجاز للشام!.

 

فكرة هذا المشروع ليست جديدة.. ففي عهد الدولة العثمانية قام السلطان عبدالحميد الثاني بربط الاستانة «اسطنبول» ببيت المقدس فالحجاز.. كما قام بربط اسطنبول بأوروبا عبر فيينا، جماعة الفيس بوك، الذين أشعلوا ثورتين ناجحتين في مصر وتونس، يحلمون بقطار الشرق السريع،

 

الذي ييسر الانتقال بين عواصم العالم العربي دون عوائق فيزا أو صعوبات طبوغرافية، ويرون أن المشاريع الضخمة تبدأ بأطروحات صغيرة.. تكبر.. حتى تصبح يوماً ماثلة أمام العيان!.

 

الحلم الرمزي، لأصحاب صفحة «قطار الشرق السريع»، يراود الملايين من أبناء هذه الأمة، شيبا وشبانا، وقد بدأ الحلم يتحقق وإن بخجل شديد، قطار الشرق السريع، بدأ بناؤه عبر هؤلاء الشباب الطيب، الذين يبدون استعدادا لأن تكون سكته من عظامهم، وفي الأثناء ثمة من يحرض لإجهاض الحلم الكبير، بقصص صغيرة وملفات فتن عفا عليه الزمن، ولا تصمد أمام العقل الواعي النير!.

 

بالمناسبة، في الوقت الذي يتحول فيه خط قطار الشرق السريع، أو الخط الحجازي، إلى خردة «رسمية» في غير بلد عربي، ثمة كيان في المنطقة يعيد بناء الخط، فقد أعلنت وزارة المواصلات الإسرائيلية طرح عطاء رسمي لإنجاز بناء مقاطع من سكة الحديد الحجازية التاريخية تربط بين حيفا الفلسطينية في أراضي 48 وإربد الأردنية مرورا بمدينة بيسان في غور الأردن.

 

لإنعاش الذاكرة العربية الشابة تحديدا، تم شق الخط الحديدي الحجازي في عهد الدولة العثمانية ودخل الخدمة الفعلية عام 1906 وتوقف كليا عام 1948 عندما فجرت العصابات الصهيونية السكة الحديدية لمنع تقدم الجيوش العربية، ورغم توقفه عن العمل منذ ذلك التاريخ، لا تزال رموز الخط الحديدي الحجازي باقية حتى الآن عبر المحطات القديمة المبنية من الحجر البازلتي الأسود بشكلها المخروطي المميز، وساهم الخط الذي يدخل الأراضي الفلسطينية قادما من لبنان عن طرق رأس الناقورة في ربط سوريا وتركيا ولبنان وفلسطين في شبكة واحدة لنقل المسافرين وتحقيق التنمية الاقتصادية.

 

قطار الشرق السريع، بنسخته العربية لا الإسرائيلية، بدأ بناؤه في النفوس وعلى الأرض العربية أيضا، عبر هذه الثورات الشعبية المباركة، والخيار مفتوح أمام الجميع: إما المساهمة في بنائه وركوبه، أو سينطلق هذا القطار ويتجاوز المترددين، أو منتظري إعاقته بالفتن والمحن والمؤامرات الصغيرة!.