عدنان أبو عودة الموسوعي الإشكالي !

استضافت "مجموعة الحوار الوطني" مساء الثلاثاء عدنان أبو عودة المفكر والشخصية الاردو- فلسطينية التي تعد من طليعة المثقفين العرب، واستمعنا له وحاورناه مدة تزيد على الساعتين، باح -ولا أقول أفشى- خلالها الكثير من "الأسرار" التي استمع اليها الجيل الشاب الجديد لأول مرة.

والذي يعرف عدنان أبو عودة يعرف انه مختلف -ولا أقول مخالفا- والذي يستمع إلى عدنان أبو عودة يجدر به أن يتحلى بخصيصتين:

1- العقل النقدي التحليلي الذي لا يتلقى كل أحكام الرجل واستنباطاته واستنتاجاته -على فرادتها وجدّتها- تَلقّي النشافة، فتكوينه المعرفي يوصله إلى خلاصات تختلف عن استخلاصات ذوي التكوين المعرفي المختلف.

2- القدرة على الإفلات من إسار تدفق معلوماته وطريقته في استحضار التاريخ وتشبيكه مع الراهن وهو التدفق الذي يبهر المستمع ويأخذه بسبب غزارة معلومات الرجل وتنوعها.

ولذلك استدعت محاضرته وحواره مع نخبة من القوى الاجتماعية الأردنية الجديدة الكثير من الرضا عن المحاضر الذي قدم وجبة غنية من المعلومات والتحليلات والكثير من ردود الفعل التي لم ينسها إغداق الرجل وكرمه المعرفي حقيقة ان الحقيقة ليست في عقل أحد وليست في كتبه او محاضراته.

وبرغم الاختلاف مع العديد من أحكامه – وهذا ابسط الطبيعي- إلّا ان الشباب الذي اختلفَ مع المفكر ابي السعيد طالبه بان يكتب مذكراته ليطلع عليها الجيل الجديد ويستفيد منها، وقد كنت مع ان يكتب سياسيو الأردن تجاربهم وان يبوحوا بالمعلومات الذي مضى عليها أكثر من 30 عاما كما هو التعامل حتى مع الوثائق السرية.

ظل عدنان ابوعودة في قلب الأحداث لاعبا رئيسيا ليس لأنه من أهل الثقة فحسب، بل لأنه كان – ولايزال- من أهل الخبرة والاستراتيجيا. فقد كان مسؤول ملف الحرب النفسانية في أحداث السبعين وظل وزيرا للإعلام والثقافة نحو أحد عشر عاما هي أطول مدة أمضاها وزير إعلام في العالم.

والطلب من عدنان أبو عودة ان يتحدث لمجموعتنا تم على خلفية؛ اننا لا نبحث عن لوننا –على نظافة لوننا- خاصة واننا لسنا حزبيين ولسنا لونا واحدا، وتتم لقاءاتنا مع السياسيين الأردنيين على قواعدنا التي تقول إننا لسنا محكمة وان المحاضر الكريم ليس متهما. ولذلك لم نثر معه "الحقوق المنقوصة" التي لا أكفر صاحبها ولا اخوّنه لأنه طرحها، فله الحق في ان يطرح ما يراه واجب الطرح، ونحن لنا الحق في الاتفاق أو الافتراق عن هذا الطرح أو ذاك.

ولعل القارئ يتطلع إلى معرفة شيء من تفاصيل لقائنا بهذا "الأبوعودة" المشكلجي حتى وهو على أبواب الثمانين. لقد تحدث عن أحداث السبعين وكيف وصلت الاحداث إلى نقطة الغليان خاصة ان الصراع تم تكييفه في البدء على انه صراع على السلطة وصراع لحسم حالة "دولة داخل الدولة" أو " دولة فوق الدولة" ثم تمت دحرجة الحالة وتكييفها وتوصيفها بأنها حرب أهلية بين الفلسطينيين والأردنيين، إلى أن اقتحم الجيش السوري حدودنا الشمالية ووصلت دبابات الجيش السوري إلى حوارة على مشارف اربد.

كان التدخل العسكري السوري هدية السماء للنظام، فقد تم تكييف الصراع بأنه بين المعسكر الشرقي ممثلا بسورية ومنظمة التحرير الفلسطينية والعراق الذي كان يلوح بالتدخل ووصلت قواته إلى الزرقاء نحو القصور الملكية في عمان والنظام الأردني الذي هو من المعسكر الغربي، ومعلوم ان وزير الدفاع السوري آنذاك الجنرال حافظ الأسد لم يسمح للطيران السوري بالاشتباك مع الطيران الأردني ضد إرادة الثالوث الحاكم في سورية آنذاك، نور الدين الاتاسي ويوسف زعين وصلاح جديد، فقصف طيراننا القوات المعتدية وتولى اللواء المدرع الأربعون مهمة ردها على اعقابها.

والذي بين سطور تحليل الرجل هو انه لو سقط النظام الأردني في السبعين لتمكنت إسرائيل من القيام بتهجير مئات آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية التي ستكون الوطن البديل والحكم البديل وهذه هي رؤية الفريق الذي قاده إلى بر النجاة الحسين في تلك الليالي الحالكات التي عصفت ببلدنا: وصفي التل وحابس المجالي ومحمد رسول الكيلاني والشريف (الأمير) زيد بن شاكر ونذير رشيد وعدنان أبو عودة.

ابوعودة يستحق أن تسمعه وان تناقشه فهو مجتهد، يقرأ ويكتب ومن مدرسة الاجتهاد الذي لا يجدر أن نغلق ابوابه او ان نحجر عليه ولكنه العلم الذي لم يختتم والعلم القابل للمناقشة ليصبح أكثر فائدة ودقة. هذا هو اللقاء الثالث لـ"مجموعة الحوار الوطني"، شباب -وكهول- في ظمأ للمعرفة والحوار والتفاعل، وقد جنت المجموعة ذات الفضاء "الفيسبوكي" فوائد كبيرة من الاستماع إلى والحوار مع قامتين باسقتين هما د.معروف البخيت ود.عبد السلام المجالي.