محمد عقل يكتب من انقرة: زياد ابو غنيمة و شباب 24 آذار



اخبار البلد :محمد عقل /  استفرتني صورة الاستاذ الكبير والاعلامي المخضرم ابن الحركة الاسلامية منذ مطلعها المربي البار زياد ابو غنيمة وهو يشارك شباب الاردن اعتصامهم في ساحة النخيل وسط العاصمة الاردنية عمان.

استفزتني لاسباب عديدة،منها انه وفي هذا العمر المتقدم يرفض الا ان يعطي كما هي عادته دائما، ومنها انه، واشهد الله على ذلك،انه كان لا يغيب عن كثير من الفعاليات الوطنية لا سيما تلك التي تؤازر وتدعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة للتخلص من الاحتلال الصهيوني البغيض وهو الاردني الاصيل ابن عروس الشمال اربد وآل التل الكرام اخواله.

كما استفزت هذه الصورة الذاكرة المليئة بالمواقف الحميدة لهذا الرجل الكبير في عمره وفي قدره حيث عملت معه مديرا لتحرير "صحيفة الرباط "الاسلامية منذ عددها الاول وكان هو رئيس تحريرها والمشرف العام عليها، وهنا احب ان اسجل ملحوظة هامة ولها دلالات كبيرة،حيث كنا في العام1991 نحصل على المعلومات الهامة وتغطية الاخبار بشكل صعب جدا اذ لم تكن هناك شبكات الانترنت والتواصل الاجتماعي ولا حتى الفضائيات،فكنا نجهد كثيرا لاخراج الجريدة في 16 صفحة"تابلويد" من الحجم الصغير،وبينما انا منهمك في صف الاحرف على الطريقة القديمة في المطبعة وبعد ان اكون انجزت معظم الصفحات يأتي الي الاستاذ زياد وفي يده رزمة من الاوراق المكتوبة بخط يده،وهي عبارة عن مواد محررة بالكامل وتعدل صحيفة كاملة،لتبدأ عملية التغيير لمعظم ما تم انجازه في اسبوع وتبدأ عندها عمليات صف الاحرف من جديد بعد ان نكون قد خضنا معركة مع صاحب المطبعة على تغيير المواد لان كلفة الطباعة لن تتغير،حيث ان العقد معه على طباعة الصحيفة كاملة ، ثم يختلي ابو محمود مع صاحب المطبعة ويعود بعد لحظات الينا لنستأنف الطباعة من جديد...

نعم كان الاستاذ زياد يجهز صحيفة كاملة في ليلة واحدة وأنا اكون جهدت اسبوعا كاملا لاجهزها، وكانت مواده كلها محررة بينما موادي تحتاج الى تحرير، وكانت مواده تحتوي على كامل الصور لانه يحتفظ ببيته بارشيف للصور لا تجده حتى عن اقدم الصحف اليومية، وكان لا ينسى ابدا الكاريكاتيرات لا سيما تلك التي نشرت في خمسينات القرن الماضي في صحيفة الكفاح الاسلامي التي يحتفظ بها كاملة في بيته وكأني به يقول ان الذي صلح قبل اربعين سنة يصلح الان لأن الحال هو الحال ان لم يكن زاد سوءا، وكأني به يقول ان الاستعمار الغربي الذي خرج من بلاد المسلمين،ابقى خلفه من يرثه من اصحاب البشرة السمراء من العرب والمسلمين.

وكان ابو غنيمة لا يتقاضى فلسا واحدا عن عمله ذلك فيما انا كنت اتقاضى راتبا جيدا، وفي احدى المرات ارسلت له قيادة الحركة الاسلامية مبلغا من المال في المغلف واعاده اليهم كما هو ورفض حتى فضه ومعرفة مقدار المبلغ الذي فيه.

كان الاستاذ زياد ابوغنيمة رجلا بعشرة رجال وانا هنا لا ابالغ لانني كنت اعرف الرجل جيدا ولي معه من الذكريات ما لا تكفيه صفحات كتاب كامل.خاصة تلك الرحلة التي رافقته فيها من عمان الى اربد تلبية لدعوة غداء وجهها الينا الراحل الكبير الاستاذ حسن التل مالك صحيفة اللواء الاسلامية،رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته،حيث قص علي الاستاذ زياد خلال قصصا لم اقرأها لا في كتاب ولا في صحيفة، وحدثني عن ذكرياته ايام شبابه في حركة الاخوان المسلمين.

والتقي مع الاستاذ زياد في امر مشترك،اذ ان كلانا،الاستاذ والتلميذ،خريج حاضرة الخلافة الاسلامية تركيا،وكان وما زال وفيا لتركيا،يكتب عنها ويزروها،فيما انا التلميذ العاق،عققت الاستاذ زياد فلا اتواصل معه الا لماما، وعققت تركيا وجامعتي فيها فلم اعد اليها الا بعد 27 سنة عجافا، عدت اليها اتنسم عبير حريتها، وانتصارها على ذاتها، وعلى اعدائها، وها هي تجاوزت سن الرشد بكثير،اذ انها في هذا العام وقبل ايام احتفلت بتسديد آخر قرش من مديونيتها التي ناءت بحملها كل الحكومات اليسارية والقومية السابقة فجاءت "العدالة" تحمل معها اخلاقيات الاسلام التي غابت عن تركيا نحوا من قرن من السنين لتعلم الناس، ومن اراد ان يتعلم،ان المثابرة والاخلاص ونظافة اليد واللسان،توصل صاحبها الى بر الامان.

استاذي زياد اشكرك على صبرك علي وانا ازحف على مدارج الاعلام، واغفر لي انني لا أسأل عنك وان كنت الآن بعيدا، وأسال الله العلي القدير ان بمد في عمرك وان يسبغ عليك نعمة الصحة وان يحسن خاتمتك وان تظل عينك قريرة بابنائك البرة حتى تلقى الله وانت راض