غطاء جوي.. ولكن لأي «معارضة»؟


 

إعلان مولود جاويش اوغلو, وزير الخارجية التركي, «المُدوّي» حول الاتفاق «المبدئي» بين بلاده والولايات المتحدة الاميركية, لتأمين غطاء جوي للمعارضين السوريين.. سرق الاضواء وتصدّر الأنباء, حيث بدا لكثيرين وكأنه نقطة تحوّل في الموقف الاميركي واشارة لا تخلو من دلالة, بأن الاجواء في سوريا باتت مهيأة لخطوة «أطلسية» دراماتيكية, بعد أن وقع معظمهم في فخ المبالغة في الاوهام والاحلام, بأن مسألة اسقاط النظام السوري قد اقتربت من نهايتها, وأن الضجيج الاعلامي والتضليل والتهويل الذي رافق سقوط مدينتي ادلب وجسر الشغور بيد ارهابيي جبهة النصرة (الفرع السوري لتنظيم القاعدة), اضافة الى مدينة تدمر في يد داعش, ناهيك عن التهليل والترحيب الذي استقبلت بها الفضائيات العربية التي اذاعت أن «المعارضة السورية» هي التي استولت على هذه المدن الثلاث فيما حرصت على عدم الإتيان على ذكر داعش أو النُصرة, بما هما وجهان ارهابيان لتنظيمات تكفيرية سلفية واحدة, تلقى دعماً مكشوفاً من قبل عواصم دولية وخصوصاً اقليمية, تزعم أنها تحارب داعش وتُقيم الاحلاف الدولية من أجل محاربته وتجفيف منابعه, بل ثمة ما يثير الريبة والشكوك ازاء عمليات القصف التي تقوم بها طائرات التحالف منذ نحو من عام, والتي لم تزد داعش إلا قوة ولم تفتّ في عُضده, أو تُسهم في احباط خططه, التي بدأت تأخذ أبعاداً أكثر خطورة, ليس فقط في نظرية «كسر الحدود» التي هي جزء لا يتجزأ من استراتيجيته, بل وايضاً في استمرار تدفق «المُتطوعين» و»الاموال» على موازنته, تارة على شكل آبار نفطية جديدة يستولي عليها, وطوراً في اتساع وتعدد الطرق البرّية والمراكز الحدودية, التي يسيطر عليها مع دول الجوار.
ما علينا..
عودة تركيا للحديث عن غطاء جوي وربما تستبطن منطقة آمنة, لا يمكن أن تأتي من فراغ, بعد أن توترت علاقات واشنطن ببغداد, إثر غضب الاخيرة على التصريحات المُهينة التي اطلقها مسؤولون أميركيون ضد اداء الجيش العراقي في الرمادي, وكيف هرب أو جَبُنَ او استسلم ستة آلاف جندي عراقي أمام مائة وخمسين (150) مقاتلا من داعش, هم الذين قاموا باجتياح المدينة، فضلاً عن اللغة والمصطلحات الحادة وغير المسبوقة التي يتحدث بها الرئيس التركي اردوغان ضد وسائل الاعلام الاميركية وفي مقدمتها صحيفة «نيويورك تايمز» (وما ادراك ما نيويورك تايمز في أميركا والعالم أيضاً) يصف فيها مقالاً نشرته الصحيفة الاميركية المرموقة بانه «غير مؤدب» مُحذِرا اياهم بالقول: كصحيفة عليكم ان تعرفوا حدودكم.. ولم يتردّد أردوغان في اتهام الصحيفة بأنها «تتدخّل في شؤون تركيا من خلال كتابة شيء كهذا، مضيفاً: بنشركم هذا المقال فإنكم تتخطون حدود... الحرية»..
الى اين من هنا؟
يجدر بالذين يدافعون عن اردوغان وسياساته العدوانية تجاه سوريا ومصر ومعظم الدول العربية التي ترى في حلفائه جماعة الاخوان المسلمين تنظيمات غير ديمقراطية وتمارس الارهاب بطرق مختلفة عسكرية وسياسية وفكرية، ان يُدققّوا في ما يقوله هذا الرجل وما يفعله ازاء الدولة السورية وخيارات الشعب المصري وكيف يمارس ابشع انواع التدخل في شؤون هذا البلد العربي، حيث لا يُخفي مطامعه في الاراضي السورية, وما نشرته نيويورك تايمز يكاد لا يذكر مقارنة بما قارفه اردوغان وداود اوغلو تجاه سوريا وما اصدروه من احكام وتصريحات مهينة وغير لائقة وشخصية, تفيض في طائفيتها ومذهبيتها وعنصريتها على كل ما يقال حول فساد نظامه وديكتاتوريته وقمعه ضد الاقليات والمعارضين والحلفاء السابقين, وشرائح واسعة ووازنة من المجتمع التركي, كالأكراد والعلويين ناهيك عن اوصافه غير الصحيحة ضد ما يسميه «التنظيم الموازي» وهي حركة «حِزْمِت» بزعامة الداعية فتح الله غولن، الذي قَبّل أردوغان يده, ولم يكن ليصل الى موقعه لولا دعمه وتأييده له بعد انشقاقه عن نجم الدين اربكان.
ثم..
ألا يلفت اتفاق «مبدئي» كهذا، بين انقرة وواشنطن - في توقيته خصوصاً - سعي البلدين الى تخريب كل الجهود المبذولة الان والتي تسارعت في واقع الحال بعد تمدد داعش واتساع سيطرتها الجغرافية في العراق وسوريا، لايجاد حل سياسي للازمة السورية، وبخاصة بعد اجتماع كيري مع بوتين ولافروف, ثم تأييد ديفيد كاميرون للمساعي ذاتها فضلا عن دعم الرئيس الفرنسي لحل سياسي في سوريا (وإن كان هولاند واصل انتهازيته, عندما اعلن ان لا دور للاسد في سوريا المستقبل).. ناهيك عما تبذله القاهرة من جهود لجمع شتات المعارضات السورية ودفعها لحوار جاد مع النظام السوري وفق حلول مقبولة على الاطراف كافة.
في السطر الاخير... ما يخرج عن انقرة من تصريحات, لا يعدو كونه محاولة لاخفاء تورطها في دعم الارهابيين والقتلة وسعي الى حجز حصة لها في «الكعكة» السورية, التي ظنت انها باتت ناضجة للتقسيم, الا ان خيبة اردوغان ستكون كبيرة وقد يدفع ثمنها في داخل تركيا نفسها عندما يكتشف ان كل ديماغوجيته وتوتره وعصابيته وعدوانيته, باتت تشكل خطرا على المجتمع التركي نفسه, ما بالك ان سوريا نفسها ستصمد ولن تسقط دولتها او نظامها..
فعن اي معارضة يتحدث مولود اوغلو؟ ولمن سيوفر الغطاء الجوي؟.. لداعش أم للنصرة؟ أم يظن أن لعبته ستمشي وفق المعادلة الغبيّة التي يحاول داعمو الارهاب طرحها: يخرج نظام الاسد من السلطة لكن لا يدخل تنظيم داعش..
.. ترى على من تتلون مزاميركم؟