من محام إلى منجد صوف!

ليس سهلا على من كان محاميا، ولديه مكتب قانوني، أن يتحول إلى عامل ومنجد للصوف بين ليلة وضحاها. تلك هي الحالة التي انتهى إليها المحامي السوري ياسر أبو خشريف، عقب لجوئه للأردن قبل سنوات، وبعد عشر سنوات من البحث عن العدالة في بلاده، ضمن مستوى دخل متميز بمهنة المحاماة في محافظة درعا. واليوم، يعمل أبو خشريف في ساعات ما بعد العصر وحتى المساء في تنجيد اللحف والوسائد بالمفرق، بأجر يومي لا يتجاوز 7 دنانير.
نموذج أبو خشريف ليس وحيدا؛ فهناك مهندسون وجامعيون بالآلاف وقعوا أسرى المصير ذاته في الشتات السوري الذي دخل عامه الخامس. وتشير دراسة حديثة لمنظمة العمل الدولية، حول أثر تدفق اللاجئين السوريين على سوق العمل في الأردن، إلى تفشي العشوائية في بيئة العمل غير المنظمة؛ فتجد أحدهم عاملا في مطعم، وآخر في محل لتعبئة المياه، وثالث في مزرعة. كما كشفت الدراسة التي شملت نشاط اللاجئين في عمان وإربد والمفرق، عن أن 40 % منهم يعمل في مجال البناء والإنشاءات. وبشكل عام، ينقسم اللاجئون إلى نصفين: الأول، يعمل في أسواق عمل غير منظمة، فيما الثاني عاطل عن العمل.
واللافت أن مسألة الحصول على تصاريح للعمل بدت بعيدة عن اللاجئين، لاعتبارات الكلفة المالية. وهناك بضع مئات فقط حصلوا على تصاريح للعمل في إربد، بينما يعمل من أتيحت له فرصة وفق عقود غير مكتوبة، وبمستويات أجور تقل أحيانا عن الحد الأدنى للأجر في الأردن، مع ساعات عمل طويلة، وتحت طائلة الملاحقة القانونية والأمنية بسبب عدم الحصول على تصريح عمل.
ومكمن الخطر هنا أن الأسواق غير المنظمة ضمن بيئة الاقتصاد، تتسع وتزيد، ما من شأنه أن يعزز تشوهات بيئة العمل بين عامل وافد أو لاجئ يبحث عن أي دخل بأي ظروف، وبين عامل محلي لا يناسبه هذا الشكل من التكيف، ويؤثر على قدرته على الصمود في السوق، وربما يفرض عليه تنازلات في الأجور وشروط العمل كان في غنى عنها.
بالنظر إلى الشكل الديمغرافي للاجئين السوريين، فإن غالبيتم جاءت من مناطق ريفية؛ وهم بأعمار شابة نسبيا مقارنة بالمجتمع الأردني. بيد أن مستوى التعليم لديهم أقل بكثير مقارنة بالأردنيين؛ إذ إن 60 % من هؤلاء اللاجئين فوق عمر 15 سنة، لم يكملوا التعليم الأساسي، و15 % منهم فقط أكملوا تعليمهم الثانوي، مقارنة بنسبة 42 % من الأردنيين فوق عمر 15 سنة.
ومن النتائج السلبية التي كشفتها دراسة منظمة العمل، أن التحاق الأطفال بالتعليم الأساسي يتراجع بشكل كبير بالنسبة للسوريين، بما ينطوي على مخاطر كبيرة. إذ يغادر هؤلاء صفوف الدراسة لينخرطوا في بيئة عمل غير منظمة وقاسية، وليحصلوا آخر النهار على الفتات.
زبدة القول أن أثر هذا التدفق على سوق العمل، يتمثل في فقدان فرصة تشغيل الأردنيين في وظائف برزت حديثا، ذات مهارات متدنية. في موازاة ذلك، ثمة ظلم يتعرض له اللاجئون السوريون، بسبب خضوعهم لظروف عمل غير قانونية، فيها استغلال لحاجتهم. فنسبة 99 % من اللاجئين العاملين هم من العمالة غير المنظمة، مقارنة بـ50 % من الأردنيين المصنفين كعمالة غير منظمة.
ومع ارتفاع كلفة الإنفاق على اللاجئين السوريين للعام الحالي إلى 2.9 مليار دينار، وفقا لتصريحات حكومية؛ وبإضافة الضغوط المستمرة في سوق العمل، فإن الاقتصاد الأردني يشهد حالات تكيف صعبة للغاية، مثلما هي صعبة على اللاجئين الذين لاحول لهم ولا قوة، بينما يدير المجتمع الدولي الظهر لهذا المشهد المقلق.