الإسلام الديني والإسلام السياسي
قل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقًا. دعونا نتبين الرشد من الغي، والخيط الأبيض من الخيط الأسود، بعيون مفتوحة وعقول واعية.
الإسلام الديني شيء، والإسلام السياسي شيء آخر مختلف تمامًا. الإسلام الديني دين سماوي وتنزيل إلهي. وقد توارثناه عن الآباء والأجداد. وأرسى دعائمه على مبدأ "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده". وقام على الرحمة والوسطية والتسامح والاعتدال. فاحترمناه وأحببناه وعانقناه. هذا الإسلام الديني هو الذي جعل أبي عبيدة بن الجراح قائد جيوش الفتح أن يكتب عندما وصل الى الأردن الى جبلة بن الأيهم أمير دمشق الغساني العربي النصراني قائلًا في نصٍ موثق "يا أخا العرب – مع من ستقاتل ؟ مع أبناء دينك أم مع أبناء أعمامك وأخوالك ؟ " وهذا أيضًا هو الإسلام الديني الذي دفع الخليفة العادل عمر بن الخطاب الى الامتناع في القدس عن الصلاة في كنيسة القيامة خوفًا من أن يحولها المسلمون بعد ذلك الى جامع، حفاظًا على الحقوق الدينية للمسيحيين في كنيستهم التاريخية الكبرى. وهذا من جهة. ومن الجهة الأخرى، ليس الإسلام السياسي سوى بضاعة دنيوية وصناعة بشرية، لحمته وسداه أحقاد تاريخية وعقول مريضة وميول حيوانية متخلفة. ومن الواضح أن الإسلام السياسي لا يتعلق بالدين على الإطلاق، بل يتعلق بالدنيا جملة وتفصيلًا، ولا يتورع لحظةً واحدة عن استغلال الدين في خدمة المصلحة الدنيوية المادية السياسية المنافية للقيم الأخلاقية والمبادئ الروحية.
ويقوم بلا مواربة ولا محاولة تجميلية على التعصب الطائفي الذميم والفكر التكفيري الأثيم والانحطاط الحضاري العقيم السقيم.
ويمارس ظلمًا صارخًا وعدوانًا مسعورًا على الإنسان والتمدن والعلم الفن الفكر الأدب، في ردةٍ غبيةٍ حمقاء على جميع ما حققته البشرية طوال الآف من السنين.
ومن هنا، أصبح من حقنا، بل من واجبنا الألزم، أن نعارضه، بل أن نحاربه بكل ما أوتينا من قوة، بلا إثم ولا معصية، دفاعًا عن كل ما هو جميل وعزيز ومقدس. ولم يعد بوسع هذا الإسلام السياسي أن يستقوي علينا بحصانةٍ دينية موهومة لا يمتلكها ولا يمكن أن يمتلكها، ولكنه مع ذلك يستخدمها بلا حياءٍ أو خجل في تهديدنا واتهامنا بالكفر والإلحاد زورًا وبهتانًا وظلمًا وعدوانًا. علمًا أن هذا الحق لا يمتلكه إلا الله عز وجل حصرًا واقتصارًا. وليس من حق أي مسلم، كائنًا ما كان، أن يقوم بتكفير مسلم آخر أو غير مسلم، مهما كانت الأسباب والظروف. ومن هذا المنطلق أصبح لزامًا علينا أن نعلن مجددًا مرة أخرى، جهارًا نهارًا، انحيازنا المطلق والنهائي الى المعتزلة الجدد "النايو – معتزلة" ضد الأشاعرة المعاصرين "النايو – أشعرية"، وأن نوالي ابن رشد في كتابه المعنون "تهافت التهافت" ، وأن نعادي الغزالي في كتابه المعنون "تهافت الفلاسفة" .
وفي ضوء ما تقدم، يمكن أن يفهم ما يلي.
مشكلة العقل والنقل مشكلة قديمة متجددة. وليس من المستبعد ولا من المستحيل أن يحدث اختلاف وخلاف بين العقل والنقل. فإذا حدث في أي وقت مثل هذا الاختلاف والخلاف بين العقل والنقل، وجب بلا تردد ولا حرج ولا ضيق، أن نفهم النقل في ضوء العقل، وأن نحتكم الى العقل بالمقاربة العلمية والمنهحية الموضوعية في جميع الظروف والأحوال. كان غياب أو تغييب العقل سببًا أساسيًا من أسباب الأهوال والشدائد والويلات التي أصابت أمتنا في العقود القليلة القريبة الماضية من الزمن. هائلةً كانت الهزائم ، وهائلةً ينبغي أن تكون الجهود الرامية الى إنهاضها من كبوتها واستعادتها للثقة بالنفس والايمان بالمستقبل الأفضل والقدرة على مغالبة عوادي الدهر وغوائل الزمان. والخطوة الأولى في رحلة الألف ميل للصعود من الحضيض والخروج من المحنة، هي تحرير العقل العربي من ظلمات ودياجير وأغلال الأباطيل والخرافات والأوهام. ما أحوجنا وما أحرانا أن نعمل بحكمة سقراط الذي أفاد قبل أكثر من 2000 سنة : "إن الحياة التي لا يحياها الإنسان بالعقل، ليست جديرةً بأن يحياها الإنسان"، وحكمة أرسطو تلميذ افلاطون الذي أفاد: "افلاطون استاذي. وافلاطون صديقي أيضًا. ولكن الحق دائمًا وأبدًا استاذٌ أعظم وصديق أصدق" .
* كاتب عراقي