الاستقلال الوطني من التطلعات الشعبية إلى الانحياز للإصلاح!

يشكل الاحتفال بالذكرى التاسعة والستين لعيد الاستقلال علامة بارزة في مسيرة الاردنيين مثلما يحظى باهمية استثنائية هذا العام لان زواياه الوطنية الاربع غدت واضحة ومستغرقة في التجذر في سماء وتراب الاردن الذي حمل ومازال تراثا وحدويا تحرريا ينبض بالحياة رغم السيل العارم من التراجعات الفكرية والسياسية التى تحوم حوله.

فمن هوية شامخة نفضت عنها غبار الالتباس وارض طاهرة حماها الاوائل من البناة بالدم ,وشعب ظل رغم شح الامكانات وتهديد الجغرافيا والديموغرافيا , ممسكا بمشروعه التحرري الوطني الانقاذي , ونظام سياسي حسمت الملكية الرابعة معادلة العلاقة بين الحاكم والمحكوم باعتبارها تشاركية تفاعلية وبانها محصنة بالمواطنة السوية.
وحتى ,نكون في ادق واصفي موقف ورؤية سياسية لفهم الاستقلال الوطني الذي نحتفل به لانجد من ممانعة او مقاومة او تعفف ان نذكر ان..المشروع الوطني الاردني بطابعه التحرري والوحدوي ان انكفى او لملم اوراقه وجراحاته على وقع الهزائم والانكسارات لا تزال اشواقه حارة دافئة وتمتد الى مرتفعات القدس ونحو الشام التي التحقت بانين بغداد و تتوجع على جرح بيروت النازف على مدى النظر.
نعم..هذا الاستقلال الذي حط رحالة عام 1946 بالمنجز التحرري وما اعقبه من تراجع رهيب مثله بسطوع عام النكبة وخزي نشوء الدولة الاغتصابية دفع الاردنيين كطائر الفينيق لينهضوا ممسكين من جديد بنجيع مشروعهم واصرارهم على الحياة في دولة حية اختصروا فيها مرحليا مشروعهم الكبير وما زالوا على العهد له.
فما كان في ظل ايقاعات التحولات السياسية الاقليمية التى نهشت الاخضر واليابس وانطلاق الرسم الفعلي للحدود الجغرافية التى اطلقها سيا الصيت سايكس–بيكو ونشوء الكيانية والقطرية بامتياز والردة العارمة عن المشروعات القومية الى ان يختزل مشروع الوحدة في الكيان الاردني بجغرافيته وناسه ونظامه السياسي وعقده الاجتماعي الفريد.
ورغم كل اجواء الصياح القومي – انذاك- ظل الهاجس من تحولات المزاج العام في المنطقة والرضى بالممكن خوفا من ضياع الكل يؤرق ويقض مضاجع القوميين الاردنيين الى هاجس كيف نبقي على الاردن ونبني كيانيته خصوصا بعد سقوط الحكم الفيصلي في الشام والهزيمة في ميسلون ويجعل منا حربة المواجهة القومة والتصدي والصمود لحين انجلاء الحقائق وتغيير المعادلات السياسية والعبث بالتوازن الاقليمي.
في.. الاستقلال الذي تجيء مناسبته هذا العام وسط اجواء سياسية محلية واقليمية استثنائية ومميزة نستبق استعادة مشارف الازمات الكبرى في حقب سابقة تحقق في نهاياتها وبالتعب والمناورة والدهاء السياسي المنجز الاستقلالي ولكننا في ذات الوقت نرقب ان..تفاصيل المشهد في اربعينات القرن الماضي بكل مقدماته ولواحقه تستعاد الان خصوصا وان الرسم الجديد للحدود يتسارع مثلما يتسارع بناء الكيانية الجديدة للمنطقة على انقاض الربيع العربي المخطوف.
نبقى.. في دائرة الاستقلال والاحتفال به الذي يدفع بنا للاعتراف ان كل مراحل تحقق الهوية الوطنية واستقرار الوضع السياسي والامني لدولة الاستقلال لم يتات لولا ان العقد الاجتماعي بين النظام ومواطنيه امن والتزام بالتدريجيه في التطور السياسي وفي تحقيق الوعي بدلالات ان الحراك الشعبي احتل حيزا من اهتمامات قمة النظام السياسي ومؤسساته ودافعية للمباشرة برؤاه.
وبمعني ,ان الملك منذ تسلم سلطاته الدستورية كان يرى ان مهمته تحقيق الاصلاح والانسجام مع ما يمور في المزاج العام من رغبات وامال وطموحات لتكن الملكية الرابعة عنوانا واضحا لكيفية الانحياز للرغبات الشعبية ,بعيدا عن ضغط وابتزاز وضجيج الساحات التي كانت ملمحا بارزا للربيع العربي.
نعم.. للاستقلال والاحتفال به اذا كان يعني الاعتراف والتأكيد على الهوية الوطنية الواحدة ,لا بتعدد الهويات وتشظيها وتشرذمها وانفلاتها على ايقاع مناطقي عشائري وجغرافي ونعم للاستقلال اذا كان يدفع باستفزاز الاشواق الوحدوية نحو القدس والشام ولبنان وبغداد ونحو اعادة الاعتبار لما كنا نردده في عز الصفاء السياسي ان «هذه المنظومة الكيانية–سيف العرب وترسه -في مواجهة اعدائنا المعروفين وفي مواجهة يهود الداخل «.
ومدعاة هنا التركيز والتذكير ان الاستقلاليين الاردنيين انجزوا مهمتهم النبيلة باشراقاتها الوحدوية القومية ليس بالاعتماد على النيات الحسنة ولا على مواعظ الفقهاء والسلاطين بل اعتمادا على قراءة الاوراق والتنبؤ بسير الاحداث القادمة وهذا الذي جنب المشروع الاردني الاستقلالي الوحدوي الانتكاسات والسقوط في فخ المزايدات التي كانت عند الاخرين الطريق الى الكوارث.
نعم..للاستقلال اذا كان عاضدا لهويتي الوطنية وساندا لها ومؤكدا لناموسها الازلي وفي ذات الوقت..دافعا لابراز الهوية القومية في بعدها الاجتماعي وافقها الاقتصادي على مرتكز الانتاج والساعي دائما لخلق اجيال لاتبقى في وضع الانتظار لولادة الدولة العادلة بل تعمل من اجلها ومن اجل ان تكون ايضا دولة مقاومة للفقر والفساد والاستثناء.
نعم 69عاما من عمر الاستقلال الوطني ,ومع ذلك لم ينفك عن اعناق الاردنيين وعد ابدي ووفاء لناموس الوحدة والحرية والديموقراطية وتحرير الارض والانسان.!!