دافوس والأغوار الأردنية

للمرة التاسعة يعقد المنتدى الاقتصادي العالمي في منطقة البحر الميت أي وسط الأغوار الأردنية، حيث يلتقي المئات من كبار رجال الاعمال والاقتصاديين وصناع القرار والسياسيين لتبادل الافكار وعقد الصفقات الاستثمارية الكبرى، بعيدا عن المفارقة التقليدية التي تتحدث عن الصفقات والافكار الذهبية التي يتم تبادلها في هذا الملتقى وسط منطقة تضم واحدا من اكثر المجتمعات فقرا وتهميشا، فإن السؤال الأخلاقي قبل المجتمعي؛ لماذا لم تدرج الحكومات الأردنية المتعاقبة على مدى تسع مرات نُظما في هذا المنتدى فيها خطة لتنمية الأغوار الأردنية أو مشاريع استثمارية لهذه المناطق وبحثت عن التمويل والاستثمار فيها.
مر أكثر من عقدين على الأوهام الاقتصادية التي وعدت بها اتفاقية وادي عربة التي وقعت في الجزء الجنوبي من هذا الوادي التاريخي، حينها وُعدنا بان تتحول الاغوار إلى جنة الله على الأرض ولم يحصد قطاع الزراعة الذي يتركز في الأغوار إلا الاساءة لسمعة المنتجات الزراعية الأردنية وحصر اسواقها الخارجية، وعلى الرغم من الخصائص الطبيعية والاقتصادية وتنوع الموارد المتوفرة في هذه المنطقة التي يقطنها اكثر من 300 الف نسمة، إلا ان المجتمعات المحلية في هذه المناطق هي الاسوأ وطنيا في معظم مؤشرات نوعية الحياة؛ فمعدلات الفقر تزيد على 25 % والبطالة نحو 20 % ومتوسط عمر الانسان هناك أقل من أي مكان آخر في باقي المملكة، في حين أن تلك المجتمعات سواء في الاغوار الوسطى اوالجنوبية او الشمالية صوتها غير مسموع وغير ممثلة بعدالة في مؤسسات صنع القرار.
على الجهة المقابلة تتوفر الكثير من الفرص للتنمية التي تمتاز بها مناطق الاغوار، والكثير منها تعد خاصية لهذه المناطق سواء في التنمية الزراعية والريفية او التنمية السياحية او التعدين والعديد من الصناعات الاخرى التي لم يستثمر بها بشكل جدي وينعكس على الاقتصاد الوطني وعلى المجتمعات المحلية حتى في حدود التنمية السياحية وعلى شواطئ البحر الميت الممتدة على طول 85 كلم، ورغم كل هذا الضجيج الإعلامي الذي يحتضنه البحر الميت فان حجم الاستثمار في الغرف الفندقية لا يتجاوز 3 الاف غرفة فندقية.
البحر الميت أيضا يوفر قاعدة لصناعة وطنية أردنية متقدمة ليس على غرار المناطق الخاصة والمؤهلة، بل صناعة نوعية صديقة للبيئة تتدنى فيها نسبة التنافسية الإقليمية، ومن الممكن ان تحل جزءا كبيرا من مشاكل الأردن الاقتصادية من تطوير صناعة واحدة والارتقاء بها عالمياً، ومثال ذلك ما توفره بيئة هذا البحر لصناعة عشرات الأنواع من المستحضرات التجميلية والصحية، ما قد يجلب بيوت الخبرة العالمية لترويج هوية عالمية لها؛ ألم يقم اقتصاد دول متقدمة على قطاع صناعي واحد قد يشغل أكثر من نصف القوى العاملة.
قبل أكثر من الفي سنة كتب الجغرافي اليوناني (استرابو) نصاً طويلاً حول البحر الميت حينما كانت تملؤه الحياة، على رأي المرحوم مؤنس الرزاز، يقدم (استرابو) نصه في الجغرافيا السياسية والاقتصادية حول البحر الميت بتفاصيل ما تزال تحتاج إلى قراءة معاصرة، فلقد كان البحر الميت ولقرون طويلة مصدراً لمعادن نفيسة منها القار الذي استخدمه المصريون القدماء في التحنيط. وفي القرون اللاحقة شهد البحر الميت منافسة دولية شديدة وحافظ الأنباط على هويته واستثمروه اقتصادياً وانتصروا في ثلاث معارك كبيرة دفاعاً عنه ضد الأطماع السلوقية، فقد كانت السيطرة على ثرواته حلما لقادة الاسكندر الكبير.
الأغوار والبحر الميت غابا عن أجندة المنتدى الاقتصادي العالمي للمرة التاسعة على التوالي.