غسيل بلا بقع!

استغفال الناس، وسرقة رؤوسهم من بين كتفيهم، لم تعد تقتصر على السياسي أو خطيب الجامع، أو في محلات التسوق، لكنها تحدث على شاشات التلفزيون!
لا يحتاج الأمر سوى بعض الفهلوة، واللسان الذرب، وبعض العبارات المحفوظة للضحك على الناس، واستغلال حزنهم ويأسهم، وتعلقهم بأي قشة أمل، ليخرج عليهم هؤلاء النصابون الجدد على الفضائيات، يعلنون أن بأيديهم حل المشكلات كلها، وشفاء الأمراض المستعصية!
وبعد ظاهرة الدعاة الجدد، والعرّافين الذين يفكون المربوط ويعملون الحجب والتعاويذ على الهواء، وبعد الدعايات العديدة والكثيرة لمستحضرات وحشائش ومراهم تشفي المجذوم وتبرئ الأبرص وتعيد الثمانينية عروساً عذراء، الجديد الآن، هو بعض الأطباء الذين يظهرون في دعايات تلفزيونية رقيعة يزعمون فيها شفاء العقيم والعاقر، وأن بأيديهم حل مشكلات الإنجاب المستعصية، وأن المرأة التي لم تنجب لسنوات، وشقيت على أدراج المستشفيات ومراكز الإخصاب، ستعود إلى بيتها حاملاً بمجرد أول زيارة لعيادة هذا الطبيب!
الدعايات التي يختار لها هؤلاء الأطباء قنوات فضائية غير رصينة، تُصور بطريقة لا تحترم مهنة الطب، ولا هيبة الأطباء، وتقدم الطبيب بصورة تشبه مطرب الفيديو كليب، فضلاً عن كونه يخاطب المشاهدين بطريقة مستجدية، وغير علمية، وتتسول المراجعين!
ويقدم هؤلاء أنفسهم على أن مراجعتهم تقدم علاجاً أكيداً وحتمياً، لمشكلات العقم المستعصية، من دون ترك أي احتمال ولو 1 % أن العلاج ربما لن ينجح، حتى إنهم لا يستخدمون أي عبارة من الموروث الذي يجعل كل شيء دائماً بيد الله، ويتحدثون بثقة مطلقة كأن كل شيء بأيديهم، وحدهم.
أخيراً شاهدت على فضائية من هذه القنوات طبيباً يدعو الناس لمراجعته فوراً من أجل علاج مضمون لمشكلات: السمنة، الصلع، الترهل، الشيب المبكر، ونقص اللياقة البدنية، والطريف المبتذل (وتستطيعون التأكد بأنفسكم إن تابعتم الفضائيات)، إن هذا الطبيب كان يلبس باروكة فوق صلعته، وأن له ذقنين لفرط ترهل بشرته، وله كرش مندلقة أمامه، ويكاد يكون وزنه أكثر من 170 كيلوغراما!
ربما يلعب المشاهد العربي دوراً كبيراً في استغفاله، والضحك عليه من الفضائيات والدجالين، كونه قدم نفسه دائماً كمشاهد سلبي مستعد لتقبل كل ما يقدم له، من دون أن يعترض أو يحتج أو يقاطع هذه الفضائيات التي تعامله كقطيع من الحمقى والمغفلين!
ثمَّ إنَّه لا أحد ضد الإعلان، لكن الإعلان يجب أن يحترم المستهلك وأن يحترم السلعة. بحيث يخاطبه كشخص ناضج وأن يرمي في حِجره رزمة معطيات منطقية، وليس وهماً مكتوباً بإنشاء رديء!
وأن يقدم السلعة كمنتج يحتمل الصواب والخطأ، بل إنَّ لها تاريخ صلاحية، وأعراضا جانبية، وقد لا تناسب جميع الأشخاص.
أما آخر إعلان مصنوع الآن بالعنجهية ذاتها، فهو يقول بالحرف الواحد: اشترِ هذا المنتج ولا تراجعنا بعد ذلك. لا نريد أن نعرفك. لأنك لن تحتاج الينا أبدا.
والحقيقة أنني جربت هذا المنتج بنفسي، من باب الفضول، وضعتُ ثلاث نقاط مع مسحوق الغسيل، حسب ما جاء في الإعلان، وانتظرت نصف ساعة، لأحصل على غسيل بلا بقع!
والنتيجة التي خرجتُ بها أنني حقاً لا أريد أن أعرفهم، أو أحتاج اليهم ثانية بعد ذلك!!