حدائق الموت

حين يصبح الموت امرا عاديا والحياة فعلا ناقصا، تتساوى القبور مع القصور، ومَن يسير الى فرحه مع مَن يسير الى قبره . يصبح سيانا ان تقول : ما اجمل ورد هذا القبر أو ما اجمل قبر هذا الورد . حدائق الموت انتشرت في بلادنا العربية، الشوارع اتسعت ليمر الاموات الى مثواهم آمنين مطمئنين، فرحين ان ثمة من غسّلهم وصلّى عليهم ومشى في جنازاتهم ولقنهم ماذا يقولون لملاك الموت .فرحين لان ثمة من يموت بقذيفة او برصاصة او ببرميل متفجرات، ومن لا يبقى منه ما يدل عليه، تتناثر اشلاؤه على مساحات او يفصل راسه عن جسده، او لا يحتاج الى قبر فقد انهارت بنايات على ساكنيها ولم يُعثر الا على رضيع على صدر امه أو طفلة تحتضن ابيها، بيدها قطعة خبز مبتلة بدمها وباليد الاخرى دمية تشبهها لم تحيا و لم تمت . صار عاديا ان يعثروا على يد لم تغطها الانقاض مرفوعة تودع الحياة بصرخة طلب النجاة، لكن، لا من يسمع ولا من يرى ولا من يُنقذ . نحن في زمن الرخص الانساني والاخلاقي والوطني والقومي . زمن سايكس بيكو 2 ، والتقسيم الذي حذرنا منه والتفتيت الذي يحصل للهوية العربية والاسلامية . الكل تحت حجر الرحى، مناطقياً وعرقياً ومذهبياً و طائفياً . انه زمن اسرائيل الكبرى ! من يصدق ان شلالات الدم ستزهر حرية، وان القتل على الهوية سينتج هوية، وان الدمار للمدن والقرى العربية لن تأكل نتائجه النار ؟ ان كان ثمة من يستعد لاعادة الاِعمار فمن سيعيد الأَعمار للقتلى ؟ والمهجرين الى أراضيهم واللاجئين الى بلادهم ؟ من يعيد السعادة لليمن الذي لم يعد سعيداً ودجلة الى العراق وبردى الذي «سلاماً من صباه « حفظناها في وعينا الجمعي العربي الى الشام، ومن يكفكف دموعك يا دمشق ؟؟ انه زمن داعش، والفواحش التي تمارس علنا بحق الامة، حاضرها وماضيها . لماذا تهدم داعش آثار الحضارات في الموصل والآن في تدمر ومقامات الصحابة والقادة المسلمين الذين نشروا نور الاسلام في الارض العربية بالهداية واحترام الاديان الاخرى فلم يقتلوا شيخا ولم يقطعوا شجرة و»لكم دينكم ولي دين « ؟ مع المدن والقرى تنهار -ايضا- المنظومة الاخلاقية التي تربى عليها الانسان العربي من المحيط الى الخليج . اصبحت المعدة وطنا والبيت ملجاً والحياة بالقطعة، والقطيعة بين البشر فعل اعتيادي . «ما بتفرق» طالما ان لا شيء عاد مهماً . قطعة قماش تغطي الرأس صارت جواز مرور الى الرذيلة، مصلحة آنية تبرر الخيانة ، و.. الكذب سيد الاخلاق !! صمت عربي مقيت على ذبح الأمة من الوريد الى الوليد . «انجُ سعد فقد هلك سعيد « ولا يدرون انهم «اكلوا يوم اكل الثور الابيض « . رحم الله صلاح الدين الأيوبي وعز الدين القسام وجمال عبد الناصر وكل من ادرك وآمن أن العدو الاول للأمة هو العدو الصهيوني.