الجريمة ومعادلة الأمن والأمان

المتتبع لعناوين الصحف اليومية تستوقفه أخبار صادمة عن انتشار الجريمة بأنواعها، ففي كل يوم هناك أرقام جديدة تضاف إلى هذا الصندوق الأسود، بل إنه خلال خمسة وأربعين يوما من عام 2015 سجل في هذا الصندوق (18 جريمة) كان آخرها الجريمة التي أودت بحياة الطبيب الجراح «محمد أبو ريشة»، منها أربع جرائم ارتكبت خلال (24) ساعة فقط (في الأسبوع الأول من نيسان /2015)، فهذا مواطن قتل طعنا بسلاح أبيض، وذاك برصاص من سلاح أتوماتيكي، وآخر دهسا بسيارة، ورابع حرقا وخامس خنقا وسادس بجرعة زائدة،و...، (سلسلة طويلة من العبث)!
لقد شهد الأردن ما بين الأعوام (2008- 2015) ارتفاعات صادمة في معدلات الجنايات الكبرى والصغرى والجنح الموثقة وكلها تشكل خطرا على السلامة العامة للمجتمع، مما يشير إلى تشوهات بنيوية على غير صعيد، من أمثلتها:
* تشوهات سياسية وإدارية، حيث تشيع الواسطة والمحسوبية والفساد في جميع مرافق الدولة، ويسمح بوصول أشخاص لمواقع لا يستحقونها!
* تشوهات اقتصادية اجتماعية، حيث التباين الطبقي وغياب التجانس المجتمعي، واستفحال الغلاء، وارتفاع تكاليف المعيشة بمعدلات فلكية، وتفاقم حالة الفقر والجوع، وتحول البطالة إلى معضلة (تشير أرقام «الاحصاءات العامة الأردنية» إلى أن معدل البطالة في الأردن بلغ خلال الربع الأول من عام 2014 (11,8%) ثم عاد ليرتفع إلى (12.9%) خلال الربع الأول من عام 2015)، في حين يشير تقرير منظمة العمل الدولية إلى أن معدل البطالة في الاردن بلغ (30%) ويزيد على معدل البطالة في الشرق الأوسط البالغ 27% تقريبا، علما بأن معدل البطالة بين الشباب في دول الشرق الأوسط ما يزال «من أعلى المعدلات في العالم، حيث بلغ 27.2%، وهو أكثر من ضعفي المتوسط العالمي!
* تشوهات نفسية أفقدت «الشخصية الأردنية» الكثير من توازنها النفسي، فأصبحنا أمام جموع من المحبطين والحاقدين الذين يجتاحهم الشعور بالظلم والحرمان، ومن المهووسين والشواذ والفشلة وأسوأ الناس أخلاقا، يكرهون الآخر –وهو كل ما عداهم– وينظرون إلى باقي مكونات المجتمع بالحسد والريبة والرغبة في اﻻﻧﺗﻘﺎم! يفتكون بخيرة أبنائنا وبناتنا، وينشرون الرعب، ويزرعون الحزن في قلوب الأردنيين!
* تشوهات دينية وأخلاقية وانهيارات في المنظومة القيمية والأخلاقية، حيث ترتفع معدلات التفكك الأسري والخلافات العائلية، ومظاهر الانحلال الأخلاقي من تجارة الجسد، مرورا بالمخدرات، والجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة (الاغتصاب، والبغاء، والخطف، وهتك العرض) وليس انتهاء بالاتجار بالبشر!
نحن إزاء بيئة تهدد الاستقرار الاجتماعي والامني، بيئة حاضنة للعنف والجريمة والتطرف والانحلال الاخلاقي والاجتماعي، شعارها «علي وعلى أعدائي»، و»بعدي الطوفان»!
فإلى أين نحن ماضون على هذا الطريق المظلم؟
هناك مسؤولية اجتماعية على الكافة، فالأمن والأمان جهد وطني شامل، والتصدي لهذه الآفة يستدعي وقفة وطنية شفافة، تستحضر قول الحق {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون}، فمن «أمن العقوبة أساء الأدب».