لا تضرب القدم المصابة
قد يسئ العديد من الأشخاص إليك خلال حياتك المهنية أو العاطفية أو الإجتماعية، وربما يكون هؤلاء الأشخاص من جيرانك أو زملاءك أو حتى أقاربك. وربما قد تخوض منافسة للحصول على هدف معين كوظيفة مميزة أو زوجة صالحة أو بيت العمر.
وفي نفس الوقت قد تسمح لك الفرصة في توجيه الضربة القاضية الى خصمك من أجل القضاء عليه وإقصاءه من المنافسة والفوز في السباق والتفوق عليه، فهل تفعل ذلك؟
من أجل توضيح فكرتي اليك عزيزي القارئ سأقص عليك القصة التالية والتي تعود الى ثمانينيات القرن الماضي، حيث كان بطل قصتنا محمد رشوان أحد لاعبي السلة المميزين في أحد النوادي المصرية.
وفي إحدى مباريته التي شهدت تألقه، شاهده مدرب فريق الجودو ووجد فيه الخامة المناسبة من أجل الإشتراك في فريقه، فعرض عليه المشاركة في فريق الجودو لأنه يمتلك الجسم المناسب لهذه اللعبة، ووافق بطلنا المغوار.
وبدأ محمد سلسلة من التدريبات المكثفة من أجل مواصلة تألقه في لعبته الجديدة، وبدأ بحصد الألقاب والبطولات المحلية والدولية، الى أن تعرف عليه مدرب أحد الأندية اليابانية في الجودو وطلب منه الإنضمام الى فريقه وإحتراف اللعبة في اليابان.
لم يتردد محمد رشوان في الموافقة؛ فهذه هي فرصة العمر في الإحتراف في أحد البلدان ذات التفوق العالمي في لعبة الجودو، وسافر الى اليابان وبدأ تدريباته مع فريقه الجديد الذي يكن له كل التقدير والإحترام.
تنقل محمد من بطولة الى أخرى وأخذ أسمه يتدرج على قائمة الأبطال العالميين الى أن وصل الى عام 1986، وتم ترشيحه رسمياً ليحمل أسم بلاده في أولمبياد 1986. وشارك محمد في تلك البطولة وهو يتطلع الى ذلك اليوم الذي يتقلد فيه الميدالية الذهبية.
خسر محمد رشوان مباراته الأولى، وكان ذلك بمثابة تحذير له، فعزم على مواصلة المشوار بروح التحدي التي يحملها بداخله، وحقق العديد من الإنتصارات الى أن وصل الى نهائي المسابقة أمام أحد المشاركين اليابانيين، أبطال العالم في المسابقة.
ولحسن حظه أصيب اللاعب الياباني في الجولة الأولى، فطلب مدرب محمد رشوان وقتاً مستقطعاً، ونصحه بتوجيه أحدى ضرباته الى قدم منافسه الياباني المصابة من أجل نيل اللقب والفوز بالمسابقة.
كان جواب محمد بكل بساطة: "لا؛ فديني يمنعني من ذلك"، وإعتقد أنه بذلك سيفوز ولكن لن تفرح نفسه بذلك الفوز لأنه فوز بطعم الخداع والمكر وإستغلال نقاط ضغف الآخرين، وقال في نفسه: "إن كنت سأفوز؛ سأفوز بشرف".
وبدأت الجولة الثانية ليتمكن اللاعب الياباني من الإطاحة بمحمد والفوز بالمسابقة، ووقف اللاعب الياباني ليتقلد الميدالية الذهبية، ووقف بطلنا محمد الى جانبه من أجل الميدالية الفضية وإنتهت البطولة.
ولكن بطولة محمد لم تنتهي هنا، فعند عودته وجد الآلاف من المصريين بإنتظاره في المطار من أجل الترحيب ببطلهم الشريف، وتقلد أرفع الأوسمة من رئيس الجمهورية، وتم إعلانه بطل العالم في اللعب النظيف، وتم تصنيفه من أكثر لاعبي العالم أخلاقاً لذلك العام.
وبعد عدة أيام تم دعوته من الإتحاد الرياضي الياباني من أجل التكريم، وإعتقد محمد بأنه سيكون تكريماً روتينياً من قبل الإتحاد، ولدى وصوله الى طوكيو تفاجأ بأكثر من 35 ألفاً من المواطنيين اليابانيين، بالإضافة الى ممثلين عن كافة الفعاليات الرسمية والشعبية في المطار من اجل إستقبال اللاعب الشريف البطل.
وبدأ الناس حول العالم يتساءلون، ما هذا الدين الرائع الذي يمنع لاعباً من الفوز بطريقة ملتفة؟ لا بد أنه دين قويم حنيف، ودخل الكثير ممن سمعوا قصة محمد رشوان في الإسلام بعد أن شاهدوا أخلاق المسلمين على أرض الواقع.
صحيح أن محمد رشوان قد خسر الميدالية الذهبية ولم يتوج بطلاً لأولمبياد 1986، ولكنه تتوج بحب الناس من حوله وتقديرهم لبطولته وأخلاقه المتميزة، وقد خدم دينه وأعلى صوته من خلال نشر الإسلام بأخلاق أهله.
واليوم يسعى العديد من اللاعبين حول العالم الى تقليد محمد رشوان في بطولته ونظافة قلبه ونقاء ضميره، وللعلم فقد تم إنشاء جائزة عالمية تحمل إسم "جائزة رشوان" من أجل اللعب النظيف.
قد يكون هنالك "محمد رشوان" بداخل كل منا، الذي يرفض الإنقضاض على الخصم في لحظات ضعفه، والذي يرفض التاج المرصع بالخزي والعار، والذي يرفض الفوز الممزوج بطعم النصب والإحتيال.
عزيزي القارئ الكريم، قصصت عليك هذه القصة من أجل أن تعتبر منها وتتعلم كيفية تحقيق الهدف بالطرق الصحيحة، وأتذكر هنا قول الشاعر:
وما أحذوا لك الأمثال إلا لتحذو إن حذوت على مثال
فأرجوك كن كمحمد رشوان في منافاساتك، نافس بشرف وتأكد بانك ستذوق الطعم الأحلى والمميز للبطولة والتضحية، وتأكد دائما بأنك لا تضرب القدم المصابة لخصمك.