خطط تنموية لا أمنية

لأيام أخرى سوف تبقى ساحة التكهنات مفتوحة، حول خلفية القرارات المفاجئة، التي حسم فيها رأس الدولة مستقبل قيادات أمنية في المربع الأول، بسبب "تقصير في المنظومة الامنية"، كما أعلن في البيان الرسمي.

التوقف عند لحظة الحسم، التي يتم فيــــها اتخاذ قــــــرارات حــــــازمة، تكرر في عهد المملكة الرابعة في أكثر من مفصل، بحيث يكــــــون القـــــرار شاملًا، تُستبعد فيه القيادات جميعها التي أثارت المشهد، مثلما حدث سابقًا، بعد أن ارتفع الخلاف بين مدير مخابرات ورئيس ديوان ملكي.

في المفاصل الأمنية لا مجال للمراهنة وانتظار انسجام أطراف القرار، لأن لعبة تقطـــــيع الوقت تصلح في السياسي، لكنها لا تصلح أبدا في الأمني، خاصة أننا نمر بأوضـــاع أمنيـــة داخلية لا تقـــــل كثيـــــرا عن استــدعاء حالة الطـــــوارئ، لاسيـــــــــما ان الاردن بات مثــــــل جزيرة تحيـــــطها جبـــــهات مشتعلـــــة، وصل فيها عناصر العصابات الارهابيــــــة الداعشيـــــة الى الحدود في الطريبيل، واقتربوا كثيرا من الحدود الشمالية.

البيان الرسمي الذي أعلن فيه خروج ثلاثة رموز أمنية من الخدمة، باستقالة وزير الداخلية واقالة كل من مدير الأمن العام ومدير قوات الدرك، لم يشف غليل أسئلة الأردنيين، التي علقت القرار على أكثر من قضية أمنية، كان أبرزها قضية معان، التي تحولت بسبب المبالغات الأمنية والاعلامية كأنها قضية عصيّة على الحل، وهي كذلك، اذا تم التعامل معها كقضية أمنية، لا تنموية.

وهنا يبرز السؤال المحوري؛ هل هناك خطة تنموية جديدة في الفترة المقبلة لانقاذ معان ــ لأن المهم ليس تغيير الاشخاص، وانما تغيير السياسات ــ ترافقها خطة لضبط الأوضاع في كل الملفات الأمنية المفتوحة، لا تكون فقط خطة أمنية، لأنه ليس بالأمن وحده يتم ضبط الأوضاع العامة.

الأصل أن تكون هناك خطة تنموية ترفع الضغوطات العامة والمعيشية عن كواهل المواطنين، ليس بهدف درء المخاطر فقط، لاننا نحتاج الى خطط تنموية جادة لبث الامان والطمأنينة في قلوب الاردنيين، وتنفيس حالة الفزع والترقب التي تشغل تفكيرهم.

مهمة الأمن في زمن الأحكام العرفية، هي غيرها في زمن التغيير والولوج إلى بوابات الديمقراطية، ليس فقط بالوسائل والأدوات، بل بالفكر والممارسة.

معظم الأخطاء التي تقع في البلاد، نتيجة عقلية أمنية لا تزال غير منسجمة مع المتغيرات، وغير متطابقة مع خطاب الاصلاح، ولا مؤمنة به، لذا تقع الأخطاء وتتحمل بعض الأجهزة المسؤولية عن خشونة ممارستها، او اعتداء أودى بحياة مواطن، أو قرار باقتحام حي وترويع سكانه.

ما يقع من أخطاء، لا تُصلحه لجنة تحقيق لمعرفة المتسبب في الحدث، وانما تُصلحه عقلية جديدة تنظر إلى دور جديد للأمن في زمن التغيير والثورات.

بتقديرات تحليلية لا أعتقد أن القرارات التي تم اتخاذها مساء الأحد سوف تتوقف عند هذا الحد، بل من المتوقع ان تتبعها قرارات اخرى تطال مواقع بارزة في صناعة القرار الاردني.