حسني عايش وزيرا

الأستاذ حسني عايش تربوي كبير وطاقةٌ عقلية عزّ مثيلها، ولكن البلد لم يستفد منه بما يكفي. ففيما عدا دورة واحدة في مجلس الأعيان، لم يُكلّف الرجل الغني بأفكاره الخلاقة والاستثنائية بإدارة برنامج فعلي في الدولة. فميدان الأستاذ عايش الذي يُحلّق فيه عالياً جداً هو التربية، لأنه يضرب عميقاً في جذور المشكلة، متتبّعاً ما يخفى على معظم من استلم حقيبة التربية والتعليم، أو مناصبها العليا. ولدى الأستاذ فكرٌ تربوي بالغ التركيب، لديه مهارةٌ خارقة في تبسيطه وتيسيره، مما يجعل خطابه في متناول أقل الناس تعرضاً لهذه المعاني. وهذا الفكر التربوي لدى الأستاذ معجونٌ عجناً بفكره السياسي الاجتماعي الذي عموده الفقري "الديمقراطية". إذ لا يمكن أن تستدير فكرةٌ أو مشروع في رأسه النابغ دون أن تكون الحرية دمه ولحمه وعظمه، والديمقراطية وسيلته الأولى والأخيرة للتعبير والتغيير.
عملتُ في التعليم مع الأستاذ عدداً قليلاً من السنين (هي أسعد أيام حياتي المهنية)، عرفتُ فيه مجدّداً خلاقاً، دفع الجميع -من دون سمت المتسلّط- إلى بذل الأقصى من الجهد والأحفل بالاجتهاد والإبداع. وازداد يقيني مع الأيام واتسعت ثقتي بملكاته كلما وصلَنا حبلُ الودّ بحديث، أو قرأتُ له ما يكتب في "الرأي" ثم في "الغد" الآن، أو كلما دعوته إلى محاضرة، أو استمعتُ إليه في نقاش أو ندوة. فنداء الرجل المتواصل، الذي أشكّ أنّ المسؤول يُصغي إليه، هو التغيير الجذري أو التثوير، واضعاً إصبعه بالأمثلة الصارخة على ما يعانيه التلاميذ من سياسة التلقين وتغييب العقل والفكر النقدي، وهي التي تُنتجُ للوطن قوافل من المقلّدين الاتباعيين الذين يسهلُ قيادهم إلى هذا التطرّف أو ذاك، وهم يظنُّون أنّهم ينفذون ما قال الله وما قال الرسول.
الأستاذ حسني عايش طاقةٌ فكرية وطنية لم يُستفَد منها بما يكفي. ولأظنّ أنه لو كُلّف بحقيبة التربية والتعليم أو الثقافة وأُطلقت يده فيهما لأحدثَ عجَباً، لأنه خبيرٌ إداري واستراتيجي نادر، قادرٌ على سبر المشكلة التربوية أو الثقافية وحلّها بطرق غير تقليدية، ناهيك عن تاريخه في معايشة الحداثة والفكر الحر الذي ليس عبداً لهذه الأيدولوجيا أو تلك. وهو أكثر (أقول أكثر) مَن هو مؤهَّل في هذا البلد للنهوض بالتربية ولوضع سياسات جديدة لتأهيل المعلمين (الذي هو أصلُ أي تطوير للمؤسسة التربوية)، وللمناهج التي تقطرُ تخلّفاً وغباءً، والتي يعود إلى فحواها التلقيني والحشو الإخواني والسلفي فيها، تخريج أفواجٍ عاطلةٍ عن التّفكير والإبداع، فاشلةٍ في التعايش، محتقنة، وجاهزة للعنف!
ليت الذي لا يسمع يسمع ويستجيب!
دعونا لا نفقد الأمل...!