أوركسترا أمنية

القرارات المفاجئة بقبول استقالة وزير الداخلية حسين المجالي، وإحالة مديري "الأمن العام" و"الدرك" إلى التقاعد، تمثل خطوة تحمل أكثر من رسالة.
فماهية العلاقة بين قيادات المؤسسات الأمنية والوزارة المسؤولة عنها، تكتسب اليوم تحديداً أهمية خاصة، في ظل تركيز صانع القرار على ملفين أساسين يشغلانه أكثر من أي وقت مضى، باعتبارهما الأهم وطنياً، وهما الاقتصاد والأمن. والأخير لن يكون في وضع صحي مطمئن طالما أن الخلافات تستعر بين أطراف المسؤولية، حد القطيعة أحيانا، والتناقض في القرارات، بما فيها الميدانية، في أحيان أخرى.
إذ تتعاظم أهمية عنصر الأمن في ظل الحالة الإقليمية المتغيرة والمتفاعلة، كما الحرب الخارجية التي يخوضها الأردن على الإرهاب، مع ما يتبع كل ذلك من تحديات داخلية، ليست تسمح بأقل من وجود "أوركسترا أمنية" متناسقة ومنسجمة إلى أقصى حد، حتى تكون بمثابة الجسد الواحد الذي تتناغم كل حواسه ضمن هدف حماية أمن البلد.
التغييرات الأخيرة لم تكن مفاجئة تماماً للمطلعين، بل جاءت بعد سلسلة من التقصيرات على صعيد إنفاذ القانون، خصوصا أن الشكوى من الحكومة تكررت فيما يتعلق بضبط المعتدين على خطوط المياه والكهرباء، وكذلك القبض على المطلوبين من أصحاب السجلات الإجرامية، وبالمحصلة وقف التطاول على مؤسسات الدولة عموماً، وآخر أمثلة ذلك ما حدث من اعتداءات على إدارات جامعتين، فيما كانت أحداث معان قبل أيام بمثابة الخط الأحمر الأخير الذي أدى تجاوزه إلى تسريع التغيير، بعد أن وصل الاختلاف بين المعنيين حد إيقاع الضرر العام، والتأثير سلباً بمستوى أداء المؤسسات القائمين عليها.
الرسالة الأهم تلقاها المجتمع الذي لمس سلبيات ضعف دور المؤسسات المعنية، أو مبالغتها في استخدام السلطة أحيانا، فكان أن جاء الترحيب كبيراً من معان التي هُدمت منازل فيها، وكذلك من الرمثا التي دفنت الشاب عبدالله الزعبي بعد ما حصل له في مركز التوقيف. فالمطلوب، شعبياً كما رسمياً، تطبيق القانون، من دون تراخ أو مبالغة في تطبيقه.
أما الرسالة الأخرى التي تُقرأ من تفاصيل القرار، وهي الموجهة بالذات للمجتمع، فتتمثل في أن لا أحد فوق القانون. فكل أصحاب الأسبقيات الذين يزعجون المجتمع ويربكون أحواله، عدا عن ترويعه، سيتم القبض عليهم حتماً، إن لم يسلّموا أنفسهم، أو يتم تسليمهم من قبل المجتمع للأجهزة الأمنية، ليلقوا العقوبة التي تنص عليها القوانين.
فالاعتداءات على الممتلكات العامة في معان، وآخرها احتجاز سيارة لجهة أمنية ورفع علم "داعش" عليها، هو سلوك فيه استقواء واستعراض مناف للقانون ابتداء، كما استفزاز ومحاولة تكسير مقصودة لهيبة الدولة من جهة أخرى.
مسؤولية المجتمعات المحلية، ومثال ذلك معان اليوم، هي أن تبادر إلى تسليم المطلوبين للجهات المعنية، لتكريس فكرة الدولة، وضرورة احترامها. لاسيما أن بقاء الخارجين على القانون طلقاء بين الأبرياء، لا بد أن يوقع ضررا لا يحتمله المجتمع ككل.
الرسائل، إذن، بأكثر من اتجاه واحد. وهي واضحة وضوح الشمس للمسؤولين؛ للقيام بالمهام المطلوبة منهم من دون قصور أو مغالاة، وفق رؤية تنسيقية تعكس روح الفريق وليس التنافس والاختلاف.
المطلوب من الأجهزة الأمنية تطبيق القانون وفرض هيبة الدولة، وهو ما لم يتم بحسب ما هو مخطط ومعلن ومطلوب، في أكثر من مناسبة، فبقي التطاول على القانون من قبل البعض، ولم يرتقِ تعاون الأجهزة المعنية إلى المستوى الضروري لتمكين الحكومة من تنفيذ ما هو مطلوب لاستعادة هيبتها أولا.
بالنتيجة، القصور في العمل، تماماً كما التطاول على هيبة الدولة، خطآن ثمنهما كبير، سيدفعه كل من يقترب من هذين المحظورين.