تحسس مسدسك فهو «مثقف»

العبارة نسبت لمستشار لزعيم النازية أدولف هتلر، ولعلها تختصر الحكاية بين المثقف والسياسي.
مشكلة السياسة كما يقول ميكافيلي انها ليست أخلاقية، في حين أن كل إبداع اخلاقي في جوهره، بذا وجد التضاد.
لا مناص من حاجة السياسي الى المبدع في تسويق أفكاره وقراراته أو رموز السلطة، وهناك من يتطوع من المبدعين لهذا الامر، أو حتى غض الطرف عنها، بيد أن «مزاجية المبدع»، وخروجه في أحيان عن النص، وقياسه الكثير من الأمور بمعيار أخلاقي، ورفضه إبداء رأي ايجابي في «هراء السياسي» كثيرا ما تؤدي الى التصادم بينهما.
الصراع بلا شك محكوم بالغلبة مرحلياً للسياسي، ففي يديه كل عوامل استمرارية المبدع بل بقائه على قيد الحياة والابداع، لكن أحيانا قد يهتف المبدع، موقنا أن دربه الى الخلود، بعبارة بدر شاكر السياب: «موتي انتصار». ففي النهاية من يتذكر السياسيين الذين عاشوا في حقبة ديستفويسكي.. مثلاً، ومن يتذكر قتلة فرديريكو غارسيا لوركا؟
السياسي لا يتورع عن ممارسة كل اشكال الضغط على المبدع، وقد يسيمه كل اصناف التجاهل والعذاب. هكذا ترك أمل دنقل ليصارع الموت وحيداً في مستشفى مصري بائس، بعيد قصيدته لا «تصالح».
ولعل أبشع انواع الانتقام حين يترك السياسي المبدع ليواجه الجوع، ويغلق في وجهه كل سبل العيش، ويتركه لقوى السوق، وهو أول من يعرف ان الابداع لا يطعم خبزاً.
يروى أن ابا حيان التوحيدي الذي لقبه ياقوت الحموي بـ»شيخ الصوفية وفيلسوف الأدباء»، أحرق كتبه في لحظة لأنها لم توفر له «لُقيمات يقمن صلبه المكدود من عناء البحث عن الحقيقة، فيما هو يجثو على ركبتيه ليأكل من حشائش الأرض».
بل إن كثيرين لا يعرفون ان الاديب محمد عبد الحليم عبد الله، الذي نتذكر له «بعد الغروب»، «الليلة الموعودة»، «شجرة البلاب» و»للعمر بقية»، قضى نحبه على يد سائق تاكسي، لعجزه عن إكمال الأجرة، وكان الفرق.. للمفارقة فقط، خمسة قروش!
السياسي قد يلاحق المبدع حتى في احتضاره، وما دمت قد ذكرت ابو حيان التوحيدي، فقد روي أنه لما حضرته الوفاة كان بين يديه جماعة من الناس فقال بعضهم لبعض: (اذكروا الله فإن هذا مقام خوف وكل يسعى لهذه الساعة) ثم جعلوا يذكرونه ويعظونه، فرفع أبو حيان رأسه إليهم وقال: (كأني أقدم على جندي أو شرطي! إنما أقدم على رب غفور) ومات من ساعته.
آخيراً.. رجاء تحسس مسدسك، بل أطلق النار، فما بقي من العمر لا يحتمل كل هذا الهراء!