مؤشرات من مأساة الأنبار!

نزوح جماعي داخلي مأساوي لسُنّة محافظة الانبار، اكبر محافظات العراق، بحثا عن الأمن، هربا من التنظيم الإرهابي "داعش" إلى بغداد والمدن والمحافظات العراقية التي تديرها الحكومة، برغم إنها مناطق ليست آمنة لهم، وأنهم يتعرضون فيها إلى كل أشكال الانتهاكات على الهوية المذهبية.

إن هذا النزوح الجماعي الداخلي لسُنّة العراق يبرهن برهانا جليًا على أن سُنّة العراق ليسوا حاضنة "داعش" وأنهم ليسوا داعمين لها برغم النداءات التي يوجهها قادة "داعش" لسُنّة العراق النازحين بأن يبقوا في ديارهم وان يعودوا إليها وان "داعش" تُؤَمِّنهم من "الروافض" وأنها تحررهم من حكم الطواغيت.

إن هذا النزوح الجماعي الداخلي، على مخاطره الهائلة، التي تشمل القتل والتهديد بالقتل والطرد والاختطاف، يفضح داعش باعتبارها تنظيما متوحشا يطال شرره وضرره الجميع، وهو نزوح يكشف "داعش" ويسقط أهم أوراقها الدعاوية وأسانيدها الإعلامية بأنها تقوم بحماية السُّنّة وأنها الممثل الشرعي والوحيد لهم وأنها ترد عنهم ظلم وعسف "الروافض" والمجوس الصفويين.

وان هذا النزوح – الفرار الجماعي لسُنّة العراق هو رسالة مباشرة لممولي "داعش" من أثرياء دول الخليج وغيرها الذين يمولونه لأنه سيقيم دولة الخلافة، دولة الحق والخير والعدل، أن توقفوا، فأموالكم التي تبذلونها تقربا إلى الله، تذهب إلى دعم وتمويل من يسفك دماء المسلمين وأتباع الديانات والمذاهب الأخرى المسالمين، وهاهم العراقيون المسلمون السنّة، يفرون من بغي "داعش" وجورها إلى جور آخر هو جور "الحشد الشعبي" الشيعي الذي يضم، فيمن يضم، غلاة المذهبيين المتطرفين الإرهابيين.

هذا النزوح والفرار السني من تنظيم سني، يبرهن بالعذاب والشقاء والموت، على أن المواطن العربي على درجة وعي عالية بمحتوى الإرهاب وجوهره، وانه متيقن من أن الإرهاب تتولاه وتديره طُغَمٌ ظالمة متوحشة، تديرها وتوجهها أجهزة الاستخبارات الأجنبية عن بعد آلاف الأميال، وان الإرهابيين لا أمن لهم ولا أمان معهم، مهما تعددت المسميات ومهما بالغت في الشعارات ومهما رفعت من رايات، المكتوب عليها مختلف عما هو منفذ على ارض المسلمين وفي ديارهم.

وفي السياق، فإنّ مسلمي الانبار السنّة، ليسوا فقط لا يشكلون حاضنة لـ"داعش" وليسوا فقط يفرون من حكمه وطغيانه وبغيه، بل هم يطالبون بالسلاح لمواجهة هذا التنظيم الذي اختطف الإسلام العظيم وسام المسلمين العسف والظلم والقهر.

إن سنّة العراق المجيد، وهم يطالبون بتسليحهم، يبرهنون أنهم مستعدون لبذل أرواحهم وأموالهم لمقاومة هذا التنظيم الإرهابي الظلامي البغيض، الذي مزق بلادهم وسبى نساءهم وفرقهم إلى طوائف ومذاهب وديانات، كانت تشكل التنوع والتعددية والانسجام المتفرد.

وفي نفس السياق، فإن الظلم والبغي والعدوان، الذي تمارسه الجماعات الشيعية المتوحشة، المنضوية تحت لواء "الحشد الشعبي" لا يختلف عما تمارسه الجماعات السنية الإرهابية التي تطلق على نفسها ألقابا ومسميات مختلفة، وحتمي أن مآل البغاة الإرهابيين إلى موات واندثار، كما اندثرت وانطفأت، بسرعة الشهب، تنظيمات الغلو المتطرفة عبر التاريخ الإسلامي.