نكبة تلتها نكبات

قبل 67 عاما من اليوم جرّت جيوش عربية أذيال اكبر خيبة في التاريخ الحديث، فانهزمت جيوش نظامية من قبل حفنة مستوطنين صهاينة، مهد لهم الاحتلال البريطاني الارض، وزرع في احشاء فلسطين سرطانا ما زال يكبر حتى اليوم، ولكنه مهما كبر لن يستطيع قتل إرادة شعب يعشق الحياة.
في مثل تلك الأيام من عام 1948، كانت إسرائيل من خلال عصابات فاشستية مسلحة ترتكب مجازر بحق شعب اعزل، شعب صدق أن جيوش العرب قادمة، وما يجري سيزول بعد ساعات قليلة، وينتهي لغير رجعة، أولئك انتظروا جيوش العرب، ولكن تلك الجيوش لم تأت لتحارب حتى اليوم.
وقتذاك حصل ما خططت له بريطانيا، انهزمت جيوش العرب واستطاعت عصابات قليلة دحر جيوش نظامية وهزيمتها والاستيلاء على ما يقرب من 78 % من مساحة فلسطين التاريخية، تقهقرت الجيوش للضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء، وكل تلك المناطق احتلت لاحقا عام 1967 من قبل نفس العصابات الفاشستية، ومن خلال هزيمة الجيوش العربية ذاتها.
اعتبرنا الهزيمة (نكبة)، وأضفنا أن الحرب (كر وفر) و(يوم لك ويوم عليك)، فاستبشر الذين تشردوا من بلادهم وعددهم كان يفوق الـ800 ألف نسمة بعودة قريبة، وصمم أهالي القرى التي دمرت جراء الفاشستية التي مارسها الصهاينة وعددها ما يقرب من 500 قرية على العودة للديار وإعادة بناء ما هدمه الاحتلال، ولكن ما قيل لهم عبر الصحف والخطابات الرنانة التي صدعت الرؤوس ذهب أدراج الرياح، فانطبق عليهم قول جرير عندما هجا الفرزدق يوما فقال له "زَعَمَ الفَرَزْدَقُ أَنْ سيقتلُ مِرْبَعًا أبشر بطول سَلامةٍ يا مِرْبَع"، وهو ما حصل، تعرضنا بعد النكبة لنكسة وتوالت الانكسارات، هزيمة تتلوها هزيمة، والمشكلة أن بعض أولئك المتشدقين كانوا يصرون أن الحرب (كر وفر)، ويوم الحسم قريب!!!.
اليوم مر 67 عاما على (النكبة) وما زلنا ننتظر يوم (الكر) الموعود، الذي لم يأت حتى اليوم، وما زالت في البال معارك الفر التي حصلت أمام الصهاينة، وإن تذكرنا فإننا لا نتذكر إلا كر العرب على بعضهم بعضا، وقصفهم لعواصم عربية بأسلحة وطائرات غربية تم شراؤها بأموال عربية!!.
في الأثناء استقر الكيان الصهيوني في منتصف العالم العربي، وهو اليوم أكثر أمنا وسعادة بما يجري حوله في محيط العرب، فهو يعرف قدرات أولئك المتشدقين والأفاقين والكاذبين تماما، ويعرف أنه لو خرج من بين ثنايا الجرح النازف من المحيط للخليج من يتحدث عن معركة تحرير فلسطين، فسيكون هناك 1000 صوت وصوت عربي ينتقد هذا الكلام، ويعتبرون من يقول بذلك مجانين!!!، ألا تذكرون بماذا نعت بعض العربان حزب الله عام 2006 عندما تحدث عن فلسطين المحتلة، ألم يقولوا عنه أنه مغامر!!!!!.
واقع الحال ان إسرائيل لا تخشى أولئك العربان الذين يريدون تغيير بوصلة الأمة من القدس لبوصلات فرعية في الشام والعراق واليمن وغيرها.
ولان إسرائيل تعرف يقينا أن الأوطان لا تنسى، وان للأرض أصحابا، يحملون مفاتيح بيوتهم في صدورهم، فان خشيتها الحقيقية من أصحاب الأرض وحقهم الذي يطالبون به ولن ينسوه، وهو حق لا يموت.
هؤلاء المتشبثون بأرضهم لسان حالهم يقول (هنا على صدوركم باقون كالجدار... وفي حلوقكم ... كقطعة الزجاج كالصبار .. وفي عيونكم زوبعة من نار ... هنا .. على صدوركم باقون كالجدار .. نجوع .. نعرى .. نتحدى ... ننشد الأشعار ... إنا هنا باقون ... فلتشربوا البحرا ... نحرس ظل التين والزيتون وفي قلوبنا جهنم حمرا ... إذا عطشنا نعصر الصخرا ... ونأكل التراب إن جعنا .. ولا نرحل ... وبالدم الزكي لا نبخل .. لا نبخل .. لا نبخل ... هنا .. لنا ماض .. وحاضر .. ومستقبل).