سميح دروزة: حين يكون الانتماء إبداعا
أخبار البلد - ايمن الصفدي
غيّب الموت أولّ من أمس الصناعي ووزير الطاقة والثروة المعدنية الأسبق سميح دروزة، الذي كان في إنجازاته المهنية، كما في حياته الشخصية، تجسيداً للروح الأردنية المُنجِزة المعطاءة المبدعة. شيّد رحمه الله شركة أدوية الحكمة، التي وضعت المملكة في مقدّم مصنّعي الدواء في المنطقة. وبنى مدرسةً تخرّج منها مئات القيادات الصناعية التي تدير منشآت الشركة في عديد دولٍ في العالم العربي وخارجه.
قبل حوالي أربعة عقود، أطلق "أبو السعيد" رحمه الله "الحكمة" مصنعاً صغيراً سوقه الأردن. تملك الشركة الآن 27 مصنعاً في 11 دولة، بينها الولايات المتحدة والبرتغال ومصر والسودان. ويعمل فيها سبعة آلاف موظف، بينهم أكثر من ألفي أردني يشغّلون مصانع الشركة السبعة في المملكة، ويدير العشرات منهم استثمارات الشركة خارجها.
مُبهراً كان إنجاز "الحكمة"، التي صارت أول شركة عربية تُدرَج في سوق لندن للأوراق المالية، حدَّ اعتماد كلية الأعمال في جامعة هارفرد الأميركية لقصة الشركة حالةً دراسيةً في كيفية تحقيق النجاح عبر الرؤية الواضحة والتخطيط السليم والعمل الجاد.
بدأت "الحكمة" استثماراً عائلياً. لكنّ جعلها "أبو السعيد"، ومن بعده أبناؤه سعيد ومازن، صناعةً وطنيةً وشركةً عموميةً مساهمة، تُمثّل صادراتها سبعة بالمائة من الصادرات الوطنية، وتُسهم في تدريب الكفاءات الأردنية وتوفر فرص العمل لها.
والذي يعرف "أبو السعيد" يعرف أنه كان كريماً بصمت، يعتبر تطوير المجتمع المحلي جزءاً من معايير نجاح "الحكمة" وواجباً عليها القيام به اتجاه الوطن وأبنائه. كرّس المسؤولية الاجتماعية ثابتاً في الثقافة العامة للشركة، فموّلت "الحكمة" عديد مشاريع تنموية وخيرية واجتماعية.
يغادر سميح دروزة هذا العالم إلى رحمة ربه بعد أن ترك إرثاً إنسانياً ومؤسساتياً سيبقى متمثلاً في إنجازه وفي أبنائه الذين يكملون مسيرته. وستبقى "الحكمة" تحكي بعضاً من قصة الأردن وأبنائه المبدعين ما بقيت عجلات إنتاجها تدور تصنّع إنجازاتٍ ونجاحاتٍ متجددة.
كرّم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين سميح دروزة على إبداعه وريادته وتميّزه خلال حياته. واعتبر "أبو السعيد" التكريم له ولكلّ من أسهم معه في بناء "الحكمة". باسم والده، وبما يعكس بنيته القيمية، تحدّث ابنه مازن في حضرة جلالة الملك قبل أشهر حين قال:
"ونحن إد نعتز بالنجاحات التي حققتها الحكمة، فإننا ندرك أن هذا النجاح ما كان ليتحقق، لولا البيئة الداعمة والإمكانات التي وفّرها لنا أردننا الغالي، أمناً واستقراراً، ومصدراً لا ينضب من الكفاءات، وسمعةً دوليةً طيبة، وعلاقاتٍ فتحت لنا الأبواب".
هكذا كان سميح دروزة. عاش حياته مبدعاً ومتواضعاً في آن. كان مديراً حازماً وإنساناً دمثاً طيباً، وطنياً يترجم انتماءه عملاً مفيداً، وصاحب رؤيةٍ يعرف أنّ نجاح عمله يعتمد على بيئته الحاضنة، فأسهم في تطويرها وفي تنمية الكفاءات الوطنية التي لا تنفكّ تنقل "الحكمة" إلى آفاق أوسع من التطور والإبداع.
يغيب سميح دروزة. لكن إرثه المنجز وسيرته العطرة الطيبة يبقيان. رحمه الله وألهم أسرته الصبر والسلوان.