الإسراء والمعراج بين الشدة والإنفراج.



بك يا ابن عبد الله قامت سمحةٌ ***بالحق من مِلل الهدى غرّاءُ
ذُعِرت عروش الظالمين فزُلزِت***وعلتْ على تيجانها أصداءُ
صلى عليك الله ما صحب الدجى***حادٍ وحنّت بالفلا وجناءُ

بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته للإسلام في مكة بين قومه وعشيرته باسلوب سلميّ فآمن بدعوته الضعفاء المساكين والفقراء المظلومين والعبيد المستضعفين وكانوا قلة وكفر بدعوته الزعماء والوجهاء الظلمة المستبدون الفاسدون أهل الكبر والخيلاء واعتبروا أن هذه الدعوة خارجةٌ على ما توارثوه عن آبائهم وأجدادهم وأن كل من يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم "صابئاً" حق عليهم التعذيب والقتل فكانت أول شهيدة في الإسلام "سمية أم عمار بن ياسر" رضي الله عنهم جميعا.

لذلك اضطر صلى الله عليه وسلم أن يكون عمله سِرّيا ولم يجرؤ هو وأصحابه أن يصلوا ولو لمرة واحدة في الحرم إلا بعد أن أسلم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه .

عندما صَعُب الأمرُ على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة فكّر بالعمل لدعوته في مكان آخر فأخذ معه زيد بن حارثة وارتحل إلى الطائف 90 كيلو متر جنوب شرق مكة، لكنّ أهل الطائف "ثقيف" كانوا من أول يوم أشد عليه صلى الله عليه وسلم من أهل مكة فأدموا قدميه الشريفتين بالحجارة وأصابوا رأس صاحبه زيد بحجر فأسالوا دمه ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حزينا، وفي الطريق توجه إلى ربه بالدعاء " اللهم إني اشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا ارحم الراحمين أنت ربُ المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟، إلى بعيد يتجهمني أو إلى قريب ملّكته أمري؟، إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أُبالي، ولكنّ عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات وصَلُح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُنزِل بي غضبك أو يحلّ عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك".

عندما تضيق الدنيا بالمؤمن ويشتد عليه الكرب بعد أن يبذل الجهد فليعلم أن الفرج بات قريبا، فعندما لم يؤمن الإنس بدعوة هذا النبي الكريم في بداية الأمر آمنت به الجنّ وهو في طريق عودته إلى مكة " قل أوحي إليَّ أنه استمع نفرٌ من الجنّ فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا".

وإذا ما ضاقت بك الأرض، فرحت بك السماء تستقبلك الملائكة .. ضيفاً على رب الأرض والسماء، فكانت رحلة الإسراء والمعراج لإسباب عديدة عظيمة يعلمها الله تعالى قد يكون منها التسرية على قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد حزنه على فقد زوجته خديجة وعمه أبي طالب وصدود الناس عن دعوته وإيذائه واصحابه فكان الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الإقصى ثم المعراج من المسجد الأقصى في القدس إلى السماوات العلى إلى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى، ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى.

عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة من رحلة الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من رجب لينطلق من جديد لنشر دعوته الإسلامية بمعنوية مرتفعه وهمة عالية وشجاعةٍ سقفها السماء .. " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنيريه من آياتنا إنه هو السميع البصير".

بعد معجزة الإسراء والمعراج بسنة تقريبا أمر الله سبحانه وتعالى نبيه بالهجرة إلى "يثرب" المدينة المنورة لتنتهي بذلك مرحلة الدعوة بالاسلوب السلمي الذي رفضته قريش وثقيف وعّذبت وقتلت اصحاب هذا الاسلوب السلمي لتبدأ مرحلة جديدة في المدينة المنورة بدأت ببناء الدولة الإسلامية القادرة على حماية دعوتها وعقيدتها وتطبيق شريعتها بالسيف إذا لزم الأمر ودعت إلى ذلك الحاجة فكانت معركة بدر ثم أحد ثم الخندق ثم فتح مكة في العشرين من رمضان سنة ثمان للهجرة.

إنها المعركة المستمرة بكل وسائلها بين أهل الحق وأهل الباطل حتى يرث الله الأرض ومن عليها ودائماً يجعل الله النصر النهائي والغلبة لعباده المؤمنين، " كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي إنّ الله قوي عزيز. صدق الله العظيم.
ضيف الله قبيلات