أيام الأسرة العالمية
يحتفل العالم في الخامس عشر من شهر أيار من كل عام بما يسمونه "اليوم الدولي للأسرة" والذي أطلقته الأمم المتحدة، بالإضافة الى ذلك هنالك يوم آخر يسمى "يوم الأسرة العالمي" والذي يصادف الأول من شهر كانون الثاني من كل عام.
وتسعى الأمم المتحدة ومن يقف خلفها من خلال اليومين المذكورين الى دعوة الأسر للإجتماع وتناول الطعام فيما بينهم، والتأكيد على حقوق الطفل والبعد عن العنف والجفاء الأسري.
والحقيقة أن هذه الأيام وغيرها من أيام الأمم المتحدة لا تعنينا نحن العرب عموماً والمسلمين خصوصاً، فلدينا من التعاليم الدينية والآداب والأخلاق والأعراف والعادات والتقاليد ما يغنينا عن أيامهم.
فالأسرة عندنا لها جميع الأيام، نتناول طعام الغداء كل يوم سوية، ونتحدث فيما بيننا ويطرح كل شخص في الأسرة مشاكله وهمومه على باقي أفراد أسرته، ويسرد يومياته كصفحات دفتر مفتوح، وتتعالى أصوات الضحكات في سهرتنا وجلساتنا وأحاديثنا.
نجد في يوم الجمعة أنسب الأوقات وأفضلها من أجل إجتماع عائلي موسع، فيجتمع الأخوة والأخوات مع الآباء والأمهات، وترى الوالد في حالة من الفرح لا يعلمها إلا الله، ومن حوله أحفاده وأبناءه، فتراه يبتسم لحفيد ويقبل آخر ويجلس في حضنه ثالث، وليس بغريب أن تراه يلاعبهم جميعاً.
على الرغم من حالة الإنشغال الكبيرة التي حصلت لنا في الآونة الأخيرة، وكثرة هموم الحياة ومتاعبها، وعلى الرغم من وجود كافة أشكال الإتصال الحديث فيما بين أفراد الأسرة، إلا أننا مازلنا نجد في الإجتماع مع أفراد الأسرة المذاق الطيب والعيش السعيد والراحة المفقودة.
ما أجملها من نهاية أسبوع تلك التي يقضيها الفرد بين أهله وأحبابه وأقاربه، فبعد كل هذا التعب والصخب تاتي العطلة لكي تكتحل العيون برؤية الوالدين، وتخيلوا معي حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النظر الى وجههما عبادة.
إنني شخصياً أغبط كل شخص يسكن والديه بالقرب منه أو في منزله، فبعد عودته من عمله يجلس اليهما ويطمئن على أخبارهما وينال نصيبه من الدعاء بالتوفيق والهداية والصلاح، ثم يعود الى منزله وقد إطمئن فؤاده وإرتاح قلبه.
لم أعش شعور الغربة حتى الآن، ولكني أدرك أن ألم الغربة شديد وكبير، فيا له من شعور مؤلم ذلك أنك تشتاق الى والديك وإخوتك وأنت لا تراهم، وإن تمكنت من رؤياهم عبر وسائل الإتصال الحديث يبقى لمجالستهم لذة لا يشعر بها إلا من فقدها.
مساكين هم دول العالم المتحضر، فالتفكك الأسري لديهم قد بلغ ذروته، والإنقسام العائلي لديهم لا حدود له، ولم يعودوا يدركون معنى الأسرة المتماسكة، ويعتقدون أننا نعيش نفس ألمهم ومعاناتهم.
كم نحن محظوظون بديننا وعاداتنا وتقاليدنا، وكم سنكون سعداء لو أننا تمسكنا بهم وطبقنا تعاليمهم، فبالتأكيد سيكونون لنا أفضل بكثير من تعليمات الأمم المتحدة التي لا تدري شيئاً عن واقعنا الأسري، ولا تلقي بالاً لتماسكنا ووحدتنا.
عزيزي القارئ الكريم، إجعل لأسرتك الصغيرة وقتاً كل يوم، إجلس اليهم وحدثهم كل بمستواه وعقليته، ولا تنسى أسرتك الكبيرة من التواصل والإجتماع، وعليك أن تقدر النعمة التي من الله عليك بها، أدركها قبل أن تفقدها.