«التصفيق» بحرارة ..مع الوقوف!


أنا بكل صراحة كغيري أمارس ثقافة التصفيق بحرارة مع الوقوف بشكل عفوي أحياناً ومُفتعل أحياناً, ومُنافق أحياناً أخرى, ثقافة التصفيق بحرارة مع الوقوف متجذرة عندي, فقد مارستها في طفولتي, وفي شبابي, وأمارسها الآن في مواقف عدة,..اصفق بحرارة مع الوقوف لجلالة الملك, للسلام الملكي, للنشيد الوطني, للنجاح، للفرح، لأغنية جميلة، لعرض مسرحي، لتلاوة عطرة لشيخ القراء محمود خليل ألحصري, لانخفاض الأسعار، لبعض مباريات كرة القدم(كأس العالم), لملكات جمال الأخلاق, للاحتجاج,..اصفق بحرارة مع الوقوف في مواقف حياتية عديدة.

في بيتنا المتواضع وقبل دخولي المدرسة لم أتذكر أن قام والدي ولا حتى والدتي عليهما رحمة الله على تعليمي فن التصفيق, فذهبت للمدرسة (غشيما) في هذا الجانب, ..لكن بصراحة في الصف الأول الابتدائي أول ما قام به المعلم هو تعليمنا وتدريبنا فن التصفيق, وكيفية (ضرب) الأيدي, تعلمنا ذلك من اجل استخدام هذا الفن في مواقف الغرف الصفية, وكنت (أخربش) في طريقة التصفيق (ضرب) الأيدي وقتها, في الصف الثاني الابتدائي أوصاني معلمي أن أتأنى قليلا قبل التصفيق حيث كنت مندفعا شيئا ما, ..يبدو أن هذا المعلم قد لاحظ أنني اصفق بحرارة مع الوقوف بعفوية على (الحامي) و(البارد), في الصف الثالث الابتدائي توقفت تماما عن التصفيق بحرارة مع الوقوف..! التوقف هذا كان نتيجة لموقف قام به المعلم, ..المعلم طلب من جميع طلاب الصف بما فيهم أنا التصفيق بحرارة مع الوقوف لأحد الزملاء, توقفت لأنني كنت أحق منه بذلك, فانا الوحيد الذي أجبت المعلم على سؤاله الصعب (...) وليس زميلي, هذا المشهد المتمثل بتبديل الحق أصبح عندي مخالفة كبيرة يحاكم عليها القانون.
على أية حال فكرة«التصفيق» واحدة في كل المواقف سواء كنا في المدرسة أو في الجامعة أو في الاحتفالات أو المناسبات أو غير ذلك من المواقف, ..أو حتى في الاحتجاجات, لكن تبقى المشكلة في تشويه التصفيق كفعل وجداني, ففي عالم اليوم يصفق البعض منا في بعض المناسبات التي لا تستحق التصفيق, لكننا نصفق فيها خوفاً أو نفاقاً، وفي المقابل لا نصفق في بعض المناسبات التي تستحق منا التصفيق, أيضا ربما خوفاً ونفاقاً للآخر.‏
طريقة التصفيق (ضرب الأيدي) فن وفنون, فقد يكون بحرارة أو بدون حرارة, وقد يكون بوقوف أو بدون وقوف, قد يكون بابتسامة أو بدون ابتسامة,..نعم قد يكون خوفاً أو بدون خوف, أو نفاقاً أو بدون نفاق, أو ربما يكون طمعا أو بدون طمع, أيضا مكان الجلسة يفرض علينا أحيانا نوع التصفيق, ففي الصف الأول يكون التصفيق إجباري, وفي الصف الثاني يكون التصفيق إلزامي, وفي الصف الثالث يكون التصفيق اختياري مع الحذر, ..وهكذا حتى ينتهي بالصفوف الخلفية بــ(طق) الأصابع عند الرجال, أو بــ(برد) الأظافر بشكل مقوس بالمبرد المخصص لذلك عند النساء, مع يقيني أن النساء لا يرغبن التصفيق لجنسهن!
بقي أن نقول: على اتساع مساحة هذا الوطن ثمة أشخاص في البوادي والأرياف والمدن بـ(أفعالهم) و(أماناتهم) يستحقوا منا جميعا «التصفيق» بحرارة مع الوقوف, ليس خوفاً أو نفاقا أو طمعا, إنما محبة وإعجاب ووفاء وتقديرا لهم, ..هؤلاء الأشخاص أقوياء أمناء في نفس الوقت, قوة في إتقان والعمل, وأمانة في صون الأعراض, كيف لا وقد قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين, ..نعم مثل هؤلاء يستحقوا منا «التصفيق» بحرارة مع الوقوف.