هل أكلت القطة أبناءها؟!

 


يبدو أننا نواجه مشكلة ,قد تستفحل إن لم نبادر لتدارك الأمور قبل فوات الأوان, فنحن لم نقرأ ما جرى في تونس وفي مصر وما أصبحت عليه الأوضاع في هذين البلدين الشقيقين قراءة جيدة ونحن لم ننظر إلى ما يحدث في اليمن وفي «جماهيرية» القذافي نظرة صحيحة وبعضنا وصل به الخوف مما حصل وما يحصل حتى حدود الهلع في حين أن بعضنا الآخر أصابته رجفة ثورية نتيجة إصابته بعدوى «ميدان التحرير» عن بعد فلم يرَ من لوحته «السُّريالية» سوى الجانب الرومانسي وسوى الشبان الذين يسقطون انظمة بالهتافات وبطلاء الأظافر بينما هناك في الجانب المظلم من هذه اللوحة يجري ترتيب واقع بديل للواقع السابق يختلف عن كل ما راود شباب الانتفاضة من أحلام وردية.

في تونس استثمر رجالات الحبيب بورقيبة ,الذين كان أطاحهم زين العابدين بن علي وقطع رؤوسهم السياسية وأرسلهم إما إلى منازلهم أو إلى المنافي القريبة والبعيدة, ثورة الشباب العفوية البريئة لتجديد شباب العهد البورقيبي ولعل من بقوا يقفون عند لحظة حادثة سيدي بو زيد لا يدركون ولا يعرفون أن قطة الثورة التونسية بدأت بأكل أبنائها وأن هؤلاء الأبناء باتوا يخشون أكثر ما يخشون أن تذهب دماء زملائهم هباءً وأن ينتهي الوضع إلى انتكاسة للدولة المدنية التي تعتبر أهم انجازات الإصلاحات البورقيبية والتي أهم ما فيها إعطاء المرأة حقوقاً لم تأخذ مثلها في هذه المنطقة إلا في تركيا الأتاتوركية.

وفي مصر فإن التأوهات التي بات يطلقها كبار الكتاب من مختلف الاتجاهات ,الإسلامية والعلمانية واليسارية والقومية, تشير إلى أن هناك مخاوف حقيقية من المزيد من انفلات حبل الأمن واستشراء الفوضى فتخلَّى الذين تفاءلوا في البدايات عن تفاؤلهم وباتوا يجاهرون باعتبار أن الثورة المضادة قد أكلت ثورة الشباب وأن الصراع قد انحرف عن مساره السابق وأصبح يتخذ طابع المواجهة بين الأقباط والمسلمين وبين الذين يسعون لدولة دينية والذين يسعون لدولة مدنية وعلمانية.

ولذلك فإنه من الخطأ استمرار المراهنة على «رومانسية» موجة «ميدان التحرير» فالأمور تغيرت وأصحاب هذه الموجة سيتظاهر بعضهم غداً الجمعة ضد ابتلاع ثورتهم من قبل الثورة المضادة وبهذا فإنه علينا هنا ألاّ نتقاتل على جلد الدب قبل اصطياده وألاّ نبقى نختلف على أحلام وردية قد لا يحققها أشقاؤنا لا في مصر ولا في تونس ولا في اليمن التي لا تزال أوضاعها عالقة في عنق الزجاجة ولا في ليبيا التي لا تزال معلقة من رموش عيونها والتي هناك مخاوف حقيقية من إما أن تكون النتائج تشظياً وتقسيماً أو احتلالاً أجنبياً مقنعاً يجدد التجربة العراقية البائسة وإن بصورة مختلفة.

وبالنسبة إلينا في هذا البلد فإن ما يجب تكرار قوله هو أننا لم نبدأ من الصفر كما هو حال غيرنا من الأشقاء وأن هذا الذي يجري الآن كنا قد رأيناه قبل عشرين عاماً وكنا قد بدأنا الإصلاح والتغيير مبكراً فنجحنا في مجال وأخفقنا في مجال آخر والأسباب هنا كثيرة بعضها ذاتي وبعضها موضوعي ولذلك فإن المفترض أن نكون جميعنا متفقون على أننا بحاجة إلى مراجعة سريعة وجادة, لمسيرتنا منذ العام 1989 والحقيقة أننا جميعنا متفقون على هذا الأمر مع وجود اختلافات شكلية ذهب بها «الإخوان المسلمون» وحدهم بعيداً وحاولوا استغلال الظروف الإقليمية لفرض توجهاتهم ومخططاتهم على الدولة والنظام والشعب والقوى الحزبية كلها العلمانية منها وغير العلمانية.

كان المفترض ,بما أننا مجمعون على ضرورة مراجعة المسيرة وضرورة الإسراع بالإصلاح والتغيير, أن نجلس ونتحاور ونتفق ونختلف ونتنازل لبعضنا بعضاً إكراماً للوطن وللأهداف النبيلة المنشودة لكن الإخوان المسلمين لحسابات خاطئة ولتقديرات ليس لها أي أساس على أرض الواقع اختاروا السير في طريق معاكس فأقحموا البلد في هذه الأزمة بشروطهم التعجيزية المسبقة حيث ربطوا بين ضرورة الإذعان لهذه الشروط وبين انضمامهم إلى مائدة المفاوضات... إنهم يعرفون وكل القوى السياسية تعرف والشعب الأردني أيضاً يعرف أنه لا وجود لمن يرفض الإصلاح و التغيير ومحاربة الفساد لكنهم أي «الإخوان» اختاروا أن يخالفوا وأن يتمسكوا بشروطهم التعجيزية كمبرر ليبقوا خارج دائرة الإجماع وهذا إثبات على أنهم لا يريدون لا إصلاحاً ولا تغييراً اللهم إلا الذي في رؤوسهم والذي دونه جز الحلاقيم.

لماذا لا يفعل «إخواننا» ما فعله «إخوانهم» في مصر الذين بادروا لاستباق قانون الأحزاب الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة أمس الأول باختيار اسمين لتنظيمهم البديل الاسم الأول هو :»العدل والحرية» والاسم الثاني هو «نهضة مصر» ولماذا ينفردون بهذا الموقف الذي إن هم أصروا عليه فإنهم سيعزلوا أنفسهم عن الشعب الأردني وأن مصيرهم سيكون كمصير كل القوى والحركات التي انهارت وانتهت لأنها لم تعرف كيف تتعامل مع لحظة تاريخية معينة..؟!

لا أحد يريد الإساءة لـ «الإخوان المسلمين» فهم بخيرهم وشرهم جزء من الشعب الأردني لكنهم في الحقيقة هم الذين يسيؤون لأنفسهم عندما يختارون إدارة ظهورهم لحوار صادق وجدي وعليه شبه إجماع وعندما تستبد بهم عقدة المناكفة والعناد على هذا النحو ويواصلون السير على طريق لن يؤدي إلاّ إلى التهلكة.. و«الشقي من اتعض بنفسه والسعيد من اتعض بغيره».