نكبات ما بعد النكبة

بيده المسبحة وبصوت عال غير مسموع يناجي رب العباد ويشكو عدوا سرق أرضه وبيته وشرد عائلته، وبصوت خافت ووجه ظهرت عليه خطوط الزمن يتحدث ابو علاء بحسرة عن بيته وأرضه التي سلبت منذ 67 عاما، ليتحدث باستغراب عن الظلم وصمت العالم طوال هذه السنوات في ظل الاستعمار والاستيطان ناهيك عن تشريد الأهل وتفريق الأحبة.
النكبة ذلك المصطلح القديم الحديث، وهو عبارة عن مصطلح فلسطيني يتحدث عن المأساة الإنسانية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني وهو في دياره وقيام العدو الصهيوني بتشريده وطرده خارج حدود وطنه، وهو الاسم الذي يطلقه الفلسطينيون على تهجيرهم وهدم معظم معالم مجتمعهم السياسية والاقتصادية والحضارية عام 1948.
ويعتبر هذا العام عام شؤم بالنسبة للعرب أجمعين، ففيه طرد حوالي 750 الف فلسطيني وتم تحويلهم الى لاجئين مفرقين في دول العالم، إضافة الى قيام دولة يهودية على الأراضي الفلسطينية بعد انسحاب الانتداب البريطاني.
ولم يمر قيام الدولة الصهيونية دون وقوع مجازر وانتشار عمليات قتل ونهب، فتم تدمير اكثر من 500 قرية فلسطينية وتحويل المدن الفلسطينية الى مدن يهودية بعد تدميرها والقضاء على معالمها.
لم يكن تاريخ 15/5/1948 هو اساس القضية ووقوع النكبة، فهي بدأت قبل هذا التاريخ عند قيام عصابات صهيونية بمهاجمة القرى والبلدات بهدف ابادتها ليدب الخوف والذعر في قلوب سكان المناطق المجاورة.
ومن افظع المجازر التي وقعت ولا تزال بصمة عار في تاريخ الانسانية هي مجزرة دير ياسين التي تقع غرب مدينة القدس وتبعد عنها 4كم وذلك في تاريخ 9/4/1948 وبلغ عدد ضحاياها 250 شخصا بينهم نساء واطفال وشيوخ، التي نظمتها انذاك عصابة ارجون وعصابة شتيرن. وكان لوقوع مجزرة دير ياسين صدى قوي، حيث قام اهالي المناطق المجاورة بالهرب قبل دخول تلك العصابات الى قراهم، فارين من الموت حاملين بأيديهم مفاتيح منازلهم تاركين وراءهم ما يملكون ظنا منهم انهم عائدون بعد ايام معدودة!
لتطول تلك الايام ولتمر السنين على ذلك العام الاسود ليشهد التاريخ طوال 67 عاما على مذابح لم تقل بشاعتها عن مذبحة دير ياسين، فكل مذبحة تعرض لها الشعب الفلسطيني يخصص تاريخها للاحتفال بذكرها رافعين الرايات السوداء مع قيام البعض بمسيرات هنا وهناك وكأننا نقول لعدونا لم ننس حقنا بالعوده حتى بعد مرور 67 عاما، فهل فعلا نحن لم ننسَ؟
العدو ما يزال مستمرا في سياسيته المتغطرسة ومنها تطبيق خطة الترانسفير الى يومنا هذا، فهي عبارة عن مجموعة خطط لترحيل الفلسطينيين والتي قامت بها ميليشيات صهيونية ومن بعدها اكملت مسيرتها الحكومة الاسرائيلية وما زالت تطبق هذه الخطة من اجل ترحيل اكبر عدد من الفلسطينيين وضم الاراضي الفلسطينية للدولة الصهيونية بهدف الحفاظ على يهودية الدولة.
ومن بين الإجراءات المستحدثة لتطبيق خطة الترانسفير بناء جدار الفصل العنصري وتعمد مروره في داخل بعض القرى لتقسيمها او فصل الاراضي الزراعية عن المناطق السكنية، اضافة الى مصادرة اراضي الضفة الغربية وتشييد المستوطنات، وقيام بعض المستوطنين بالهجوم على قرى فلسطينية معزولة بحماية الجيش الاسرائيلي.
وما تقوم به حاليا من عمليات قتل وخطف كما حدث مع الطفل محمد ابو خضير من حي شعفاط في القدس المحتلة والقيام بتعذيبه وقتله حرقا وهو على قيد الحياة في 2/7/2014، وما نسمع عنه في الصحف المحلية الفلسطينية من قيام المستوطنين بعمليات دهس لاطفال، يؤكد ان الدولة الصهيونية تطبق تلك الخطة.
ومن بين تلك الاعمال لتطبيق خطتهم الموجوده منذ مئات السنين عدم الاعتراف بالقرى البدوية وبالتالي عدم إمدادها بالبنية التحتية من ماء وكهرباء، اضافة الى عدم اعطاء تراخيص لبناء فلسطيني وهدم اي بناء من دون ترخيص.
كل تلك الافعال والخطط التي تسير عليها الدولة الصهيونية لم تزدنا الا فرقة، فمثلا حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني هي اول حكومة وفاق منذ 2007 والتي تشكلت في 2 حزيران 2014 بعد المشاورات بين الفصائل الفلسطينية لكن ما نسمعه من تهم متبادلة في ايامنا هذه يؤكد ان الانقسام لا يزال موجودا ويتسع كل يوم.
كذلك الاحداث العربية الاخيرة التي ابعدتنا عن القضية الفلسطينية وانشغال كل دولة بإحصاء عدد قتلاها وجرحاها، حتى اللاجئين الذين هربوا من الموت في 1948 اصبحوا يواجهون قتلا مرة اخرى، فمخيم اليرموك يأن كل يوم من الجوع متزامنا مع القصف والقتل المستمر دون توقف وليزيد ألم سكان المخيم ان من يوجه اسلحته ضدهم يحمل دم العروبة!
ابو علاء لا يزال يحلم كغيره بالعودة الى بيته ليزرع ارضه، ليستقبل فصل الصيف بتذوق عنبه وليستقبل شتاء بلدته بكأس من عصير الليمون الممزوج بعبق من تركوا اثارهم على تلك الارض. فمتى ستكون العودة؟!