"ليندا" في مجلس "المهندسين"

للمرة الأولى في تاريخ نقابة المهندسين الأردنيين، أفضت انتخابات يوم الجمعة قبل الماضي، إلى انتخاب امرأة عضواً في مجلس النقابة العتيدة، التي تعد أكبر النقابات المهنية الأردنية، ويبلغ عدد أعضائها نحو مائة وعشرين ألفاً. حيث جرى انتخاب الدكتورة المهندسة ليندا حازم الحمود عضواً في المجلس، عن شعبة الهندسة الكيميائية.
فازت امرأة في كبرى النقابات المهنية، بعد سبعة وخمسين عاماً من تأسيسها في العام 1958؛ لكن هذا ليس كل شيء! فانتخاب الدكتورة ليندا بالنسبة لي ولنفر من زملائي، يفيض عن كونه مناسبة للحديث عن تطوّر "جندري" في نقابة المهندسين، إنه -أيضاً- مناسبة نفتخر فيها بوصول زميلة لنا في دفعة "الهندسة الكيميائية" للعام 1992، في الجامعة الأردنية، إلى هذا النجاح المهني البارز. على أن ليندا لم تكن زميلتنا وحسب، بل كانت الأولى على الدفعة حين تخرّجنا في العام 1997.
ظلت ليندا طالبة مجدّة، وواصلت اجتهادها بحصولها على الدكتوراه من الولايات المتحدة قبل بضع سنوات. وها هي اليوم تضيف إلى اجتهادها ونجاحها اجتهاداً عظيماً، وتصنع التاريخ بأن تكون أول امرأة تحصل على عضوية مجلس النقابة. ولا شك في أنها ستكون عضواً فاعلاً في المجلس، ورئيساً نشيطاً لشعبة الهندسة الكيميائية. ولعلنا نراها في مقبل السنوات أول نقيبة للمهندسين الأردنيين.
ربما يختصر نجاح ليندا الحمود، وهي ما تزال في منتصف العمر (متّعها الله بالصحة والعافية)، قصص المثابرين من الشباب والشابات الأردنيين الذين يصنعون أنفسهم بأنفسهم، وينحتون في الصخر كي يحققوا النجاح لأنفسهم ولأوطانهم ومجتمعاتهم. كم يحتاج الأمر عزيمة وصبراً حين تقل الفرص وتضعف الإمكانات المتاحة، ويكثر الحاسدون والمثبطون وأعداء النجاح؟ يحتاج كثيراً بالطبع، لهذا يكون للنجاح احترام مضاعف!
ويختصر نجاح الدكتورة ليندا قصص المثابرات من النساء الأردنيات، اللاتي يجمعن واجبات الأمومة والعمل الوظيفي والعمل العام، ويوزّعن بنجاح منقطع النظير أوقاتهن بين هذه الأدوار التي يحتاج كل منها تفرّغاً وتركيزاً. كم يحتاج لعب هذه الأدوار مجتمعة طاقة وإصراراً وحُسن تصرف؟ يحتاج كثيراً من دون شك، أفلا يكون طبيعياً أن ننظر إلى مثل هذه النجاحات بعين التقدير؟!
كما يدلل نجاح الدكتورة ليندا على أهمية التعاون والتكامل بين المرأة وزوجها، ودعم كل منهما للآخر، بحيث تكون لديهما خطة عمل مشتركة تجاه الحياة. فقد وقف المهندس معاذ نمر، زوج الزميلة ليندا، إلى جوارها في انتخابات النقابة، وساندها، بما يؤشر على أنهما يقدمان معاً نموذجاً ناجحاً للأسرة الناجحة، في مجتمع يعجُّ بالنماذج الفاشلة! كم تحتاج هذه الشراكة والمساندة المتبادلة إلى وعي وتوفيق وبعد نظر؟ تحتاج كثيراً بالطبع، لذا يكون طبيعياً أن تثمر النجاح وأن تستحق الإشادة.
أحتفي بفوز الزميلة ليندا، رغم عدم اتفاقي معها "سياسياً!"، ولا مع القائمة البيضاء -ذات الصبغة الإخوانية- التي تنتمي لها؛ إذ أجد من الخطأ سيطرة تيار واحد على نقابة يفترض أن واجباتها مهنية، فلا تكون "النقابة للجميع" ساعتها، وإنما للتيار المسيطر وحسب، رغم شعارات الود مع الآخرين التي ترفعها القوائم المتنافسة عادة. والحال نفسها تنطبق على القائمة الخضراء في ظني، حتى وإن كانت القراءات الأخيرة في حال نقابة المهندسين الأردنيين، والنقابات المهنية عموماً، تشير إلى أن النقابات والانتخابات النقابية باتت أقل تمايزاً أيديولوجياً بين القوائم المتنافسة، وأكثر اتجاهاً إلى المهننة من التسييس؛ لكن يبقى أن سيطرة تيار واحد، حتى وإن صار أقل تشدداً، ليس لها تعريف آخر سوى أنها سيطرة تيار واحد!
مبروك يا ليندا. لك أمنيات التوفيق والنجاح التي تستحقينها، وللزملاء والزميلات جميعاً الأمنيات نفسها، كلٌ في موقعه.