الأردن 2025: بين الرؤيا والرؤية

أصر رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، في حفل إطلاق وثيقة "الأردن 2025" الأسبوع الماضي، على التأكيد أن الوثيقة المطروحة ليست خطة، بل رؤية خاضعة للمراجعة والتعديل كل ثلاث سنوات. وكأن ما يفهم للوهلة الأولى من كلام الرئيس: "لا تسألوني عنها مستقبلا"، بما يشير إلى جانب من أزمة الثقة بالخطط والأفكار الكبيرة التي يطرحها القطاع العام، ويدفع في الوقت نفسه إلى التساؤل حول إمكانية نقل هذه الوثيقة من حيز الرؤيا، أي الحلم والأمنيات، إلى واقع الرؤية الفعلي القابلة للتحقق.
المجتمع الأردني، بالفعل، تعب من الخطط والأفكار التي تهدف إلى استهلاك الوقت والأزمات؛ وتعب من بيع الناس الأحلام والأوهام التي لم يتحقق منها بالتالي لا القليل ولا الكثير. هناك خطط رسمية أطلقتها مؤسسات الدولة، وأخرى أطلقتها لجان وطنية، جميعها تقول "ما يجب أن نفعله"؛ منها الأجندة الوطنية (2005)، والاستراتيجية الوطنية للتعليم (2006)، ووثيقة لجنة الحوار الوطني (2011) والاستراتيجية الوطنية للتشغيل (2012)، وتقرير لجنة الخصخصة (2013)، واستراتيجية التعليم العالي (2013)، واستراتيجية تطوير القطاع العام، وغيرها من وثائق مهمة، بذلت فيها جهود عظيمة ومخلصة، وأغلبها لاقت توافقا وطنيا حولها، لو تحقق نصف ما جاء فيها لما كانت حالنا هذه الحال. وهو الأمر الذي يلخص المعضلة الأردنية في أننا نعرف ما نريد، لكننا لا نفعل ذلك، بينما ندور في صراع بين الإرادة والقدرة؛ هل نحن نريد ولا نقدر، أم العكس، أم لا هذا ولا ذاك؟
الوثيقة الجديدة تعد من بين أهم الوثائق التخطيطية التي تصدر عن الدولة الأردنية خلال آخر ثلاثة عقود، ولعلها الأهم؛ إذ تنطوي على بداية تبلور فكر تنموي جديد، يعترف -بوضوح- بالإخفاقات ومواطن الخلل، ويبني حزماً للحلول المرنة التي تستجيب لطبيعة التطور الراهن والمحتمل للاقتصاد العالمي والإقليمي. كما أنها تستشرف طبيعة حاجات تطوير الخدمة العامة للدولة وتحسين جودتها. لكن كل ذلك لا يعني أن الوثيقة جامعة مانعة، بل تحتاج إلى نقاش وطني جاد، وربما إدخال بعض التعديلات.
الحوار حول الخطة/ الوثيقة يحتاج أكثر من مستوى: حوار مجتمعي شامل يصل إلى المحافظات والمدن والقرى، ويتلمس خياراتها المستقبلية للسنوات العشر المقبلة، تشارك فيه مؤسسات المجتمع المدني؛ وحوار بين القطاعين الخاص والعام المفترض أن يحملا هذه الخطة؛ وحوار بين مؤسسات وسلطات الدولة، ويقصد تحديدا بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية؛ وحوار داخل الحكومة نفسها، يهدف إلى شرح هذه الخطة وخلق وعي لدى مستويات الإدارة العامة كافة، كي تكون على صفحة واحدة في فهمها لمسار نمو الدولة وتطورها. بمعنى أن هذه الوثيقة يجب أن تنتقل، بعد حصولها على توافق وطني شامل، من كونها وثيقة حكومية إلى وثيقة دولة، وفيما بعد وثيقة يحملها المجتمع.
الحوار ربما يقود إلى مشاركة فعلية واسعة في وضع البرامج التنفيذية لكل ثلاثة أعوام كما تقول الوثيقة. والمشاركة تعني توسيع قاعدة المسؤولية عن النجاح والفشل، ما يستدعي الحاجة إلى تطوير خطة وطنية موازية للمساءلة، تتتبع بجدية مراحل التطور في البرامج التنفيذية، ومواطن الاختلالات وأسبابها، وتحيط الرأي العام بذلك. والحاجة إلى خطة صارمة للمساءلة تتضاعف أهميتها لعدة أسباب، أبرزها هشاشة ثقة المجتمع بهذه الوثائق والخطط، علاوة على غياب معارضة سياسية فاعلة تراقب أداء السلطات بأدوات سياسية، وليس أيديولوجية كما يحدث لدينا.
منهجية عمل الوثيقة، والمنقسمة إلى أربعة ميادين رئيسة، هي الحكومة وقطاع الأعمال والمجتمع والمواطن، تتطلع إلى أن تقود الأردن نحو نمو اقتصادي يصل في نهاية الخطة إلى نسبة 7.5 %. كما تتطلع إلى تخفيض نسبتي البطالة والفقر إلى نحو 8 % و9 % على التوالي، وتجاوز معضلة ضعف قوة العمل للمرأة، وزيادة حجم الناشطين الاقتصاديين في سوق العمل المزدحمة بالشباب والشابات غير الناشطين اقتصاديا. وجميع هذه الأهداف ليست ترفا، ولا تأتي من باب الأمنيات والأحلام، بل هي حاجات أساسية؛ إذا لم نذهب إليها بكل ما لدينا من إرادة وقدرة، ستكون حياة أبنائنا بعد عقد من الزمن صعبة، وربما مستحيلة.