دم البرتقالة


لم تكن البرتقالة التي سقطت في يافا تعرف أنها ستظل تتدحرج، مضرجة بدمها حتى اليمن جنوبا وعين العرب شمالاً . ولم يكن العرب يعرفون أن السّم الذي دسّه الصهاينة في جسد بحر عكا وحيفا وغزة سيتسرب الى دجلة والفرات والنيل . لكن البعض كان يعرف ويغمض عينيه، والبعض يفتح عينيه ولا يرى، والكل يشهد على أن بريطانيا سلمت فلسطين لليهود ليقيموا مكانها « دولة «، وان وعد بلفور تحقق .
منذ 67 عاما والوعد يتحقق، يتناسل ويتكاثر حتى أصبح اليهود أكثرية في فلسطين وأصبح أكثرية الفلسطينيين لاجئين خارج فلسطين .»اسرائيل» تتفشى في الأراضي العربية وتحتل أراضي من أربع دول عربية غير فلسطين . الارض تمرض، الإرادة تذبل، الكل يقع وتصبح إسرائيل أمراً واقعاً .واقعا لا حقيقيا، محض كذبة مسلحة . تحايلٌ على التاريخ وتشويه لوجه الجغرافيا . تجميع لأناس لا يجمعهم سوى أسطورة « أرض الميعاد» و» شعب الله المختار «!
كيف حدثت «النكبة» ؟ وهل كان الفلسطينيون يدركون حجم المؤامرة ؟
أكرر وأتذكر في كل 15 أيار كيف كان أبي يسهب وهو يحدثنا عن «أبو إبراهيم» اليهودي في تلك البلدة التي تجلس على تلة مطلة على بحر يافا . كان دائما يردد: لم يكن أبو إبراهيم وعائلته يختلفون في شيء عن أهل البلد . يُعيِّدون معنا عيدي رمضان والأضحى، ونعيِِّد عليهم في عيدهم، يحترمون جُمْعَتَنا ونحترم سبتهم .
لكأنه لم يصدق كيف حدث ما حدث في ذاك اليوم من ايار 1948 . طلب المختار منا أن نحمل ما نستطيع حمله ونخرج وقال: سنعود بعد كم يوم . ومن قال للمختار يا أبي ؟ قال: المخاتير الآخرون . ومن قال للمخاتير الآخرين ؟ قال: المختار الكبير . ومن هو المختار الكبير يا أبي ؟ قال : لا أدري ! لكن «أبو إبراهيم» حزن جدا ورجانا أن نبقى.. نحن أبناءَ هذه البلدة أهل وجيران من زمان . قلنا له: اليهود يبقرون بطون النساء الحوامل في دير ياسين ويذبحون الأطفال في قبية ويقتلون العرب في اللد والرملة وبيسان وفي كل مكان. صمت ابو ابراهيم و..خرجنا !! .
وقتها كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وكلمة انتداب اسم شرعي دولياً، وغير شرعي إنسانياً للاستعمار بحسب عصبة الأمم المشكوك بإنشائها والهدف من إنشائها حتى الآن وبعد أن تحول اسمها الى الأمم المتحدة .كان البريطانيون يمهدون لتسليم فلسطين لليهود وفاءً لوعد اللعين بلفور الذي أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق.
كان اليهود قبل الحركة الصهيونية التي أسسها ثيودور هرتزل بمؤتمر بازل في سويسرا العام 1897 يعيشون في فلسطين كفلسطينيين، كحال يهود العراق وسوريا واليمن والمغرب والبحرين والكويت ومعظم الدول العربية . لم يكن العرب يفرِّقون بين عربي ويهودي، لهم كافة حقوق المواطن وعليهم واجباته إلا ما ندر . لكن إنشاء إسرائيل كأهم، وأول محطة في تاريخ الحركة الصهيونية بعثر الحاضر الآمن لليهود العرب ليضمهم في مستقبل قلق متحرك على ارض فلسطين التي لا تزال على أرضها طائفة ناتوري كارتا التي لا تعترف بإسرائيل ولا تؤمن بقيامها حتى الآن من منطلق ديني وهذا هو الأساس، إذ إن اليهودية ديانة وليست قومية .
67 وستون عاماً مرت على النكبة . ثمة من يتذكر نكبة فلسطين ولا عتب على من لا يتذكرها . لقد صارت في الارض العربية «فلسطينات» جمة وصار الوطن العربي كله مناطق منكوبة !

- See more at: http://www.addustour.com/17582/%D8%AF%D9%85+%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9.html#sthash.O2IfFvQ4.dpuf