ما الذي يجري في معان؟

أخبار البلد -  فهد الخيطان 

بعد أشهر من الهدوء، عاد التوتر إلى معان من جديد. ومنذ ثلاثة أيام، بدأت قوة أمنية عملية في حي القناطر للقبض على ثلاثة من أخطر المطلوبين. القوة الأمنية لم تنجز مهمتها، لأن المطلوبين تحصنوا في مربع سكني يعج بالنساء والأطفال، الأمر الذي دفع بقوات الأمن إلى التراجع، مع استمرار الطوق الأمني حول الموقع.
المطلوبون الثلاثة أصحاب سجل حافل بالجرائم. وقبل أكثر من أسبوع، قاموا بسلب سيارة تابعة لأحد الأجهزة الأمنية، وتجولوا بها في شوارع المدينة رافعين علم تنظيم "داعش" الإرهابي، قبل أن يشعلوا بها النيران ويلوذوا بالفرار.
حادث بمنتهى الخطورة، كشف عن ثغرات أمنية. وبعد اجتماع ساخن، وعلى مستوى رفيع مع قادة الأجهزة الأمنية وكبار المسؤولين، اتخذ قرار التحرك للقبض على المطلوبين فورا، وعدم السماح بأي تجاوز على هيبة المؤسسة الأمنية، وتطبيق القانون بصرامة.
المطلوبون الثلاثة هم من بين عدد محدود جدا من الأشخاص الذين لم يسلموا أنفسهم للقضاء ضمن "صفقة" أنجزتها لجنة نيابية، أشرف عليها رئيس المجلس عاطف الطراونة شخصيا، قادت قبل أشهر جهودا مثمرة لتسوية ملف المطلوبين في معان، بعد مواجهات مع قوات الأمن خلّفت قتلى وجرحى.
تسليم المطلوبين كان جزءا من تصور شامل جرى التوافق عليه بين جميع الأطراف، لنزع فتيل التوتر في المدينة، وتحقيق حزمة من المطالب الأمنية والاقتصادية لأهالي معان.
لكن، وفي وقت لاحق، طلبت جهات رسمية من مجلس النواب عدم الاستمرار في دوره، وتكليف وسطاء آخرين لتسوية ما تبقى من قضايا عالقة.
ناشطون في معان اشتكوا من أن الحكومة لم تلتزم بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع اللجنة النيابية. وفي المقابل، لم يتمكن الوسطاء الجدد من إقناع من تبقى من المطلوبين بتسليم أنفسهم.
المطلوبون الذين سلموا أنفسهم قُدّم العديد منهم للمحاكمة أمام "أمن الدولة"، وصدرت بحقهم أحكام بالسجن لمدة خمس سنوات. ويرى بعض المعنيين بالملف أن هذه الخطوة كانت مخالفة لمضمون التسوية التي تم التوافق عليها.
ثمة شعور لدى مراكز القرار بأن هناك تقصيرا من طرف الجهات الرسمية في متابعة الوضع في معان، وعدم الوفاء بما التزمت به من وعود.
لكن، وعلى فرض صحة هذا التقدير، فإن ما من شيء يمكن أن يبرر الأفعال الشنيعة التي يرتكبها المطلوبون الثلاثة. وقبل الخوض في تفاصيل ما جرى، يتعين على جميع الأطراف، أولا وقبل كل شيء، تسهيل مهمة الأجهزة الأمنية للقبض على المطلوبين الثلاثة، وإيداعهم القضاء لينالوا القصاص العادل على ما ارتكبوا من جرائم، خاصة جريمتهم الأخيرة.
لا ينبغي لأي طرف في معان أو خارجها، أن يسمح أو يتساهل مع أي محاولة للتعاطف مع المطلوبين، أو إيجاد أعذار لهم، وتصوير ما يجري على أنه عمل عدائي من طرف السلطات ضد أهل معان العزيزة.
مثل هذا السلوك يخدم أجندة الساعين إلى نشر الفوضى في البلاد، ولا يجوز بأي حال أن نسمح لهم برفع أصواتهم.
بعد تجاوز القضية الحالية، يتعين الجلوس إلى الطاولة من جديد، والبحث في أسباب التقصير في معان، وتطبيق كل ما تم الاتفاق عليه من خطوات وقرارات تصب في مصلحة المدينة وأهلها، وتنهي إلى الأبد مسلسل الأزمات الأمنية في معان.
معان كما كانت دوما، مؤهلة لأن تكون رأس حربة دفاعا عن الأردن، وليس خاصرة ضعيفة، كما يتعمد البعض تصويرها.