ما وراء الخبز

بعد الاعلان مباشرة عن اطلاق وثيقة الاردن 2025 ، لم يجد رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور مادة دسمة يتحدث عنها في المؤتمر الصحافي سوى قضية الدعم الذي تقدمه الحكومة للخبز، واشارات برفع الاسعار، وتقديم بدل نقدي للمواطنين مقابل نسبة الدعم.

نسبة الدعم التي تقدمها الحكومة للخبز حسب ارقام الدكتور النسور تصل الى 180 مليون دينار، وهي اقل من الدعم الذي تنوي الحكومة تقديمه لشركة الخطوط الجوية الملكية ويصل الى 200 مليون دينار، حسب معلومات لجنة النزاهة النيابية، فهل خبز الاردنيين المدعوم، أقل أهمية من دعم شركة متعثرة، عليها "أن تقلع شوكها بإيدها..".

ليست المرة الاولى التي يتم الحديث الرسمي فيها عن رفع اسعار الخبز، وفي كل مرة يتم التغاضي عن رفع اسعار الخبز يتم رفع اسعار سلعة او خدمة أخرى، فما الذي سترفع الحكومة في الايام المقبلة أسعاره بعد تخويف الناس من رفع أسعار الخبز.

لو تجرأت الحكومة، وحكومات سابقة برفع سعر الخبز، لكُنّا تخلصنا من هذا البُعبُع الذي تُخوّفنا به الحكومة كلما تضيق بها الاحوال؟.

لا يمكن أن ينطلي على أحد في فترات الارتياح الشعبي، فكيف الحال في ظل اليقظة الشعبية لكل شيء، وكيف إذا كان في أهم المتطلبات المعيشية (الخبز)، وفي ظل الأوضاع المعيشية الضنكة التي يعيشها المواطنون، ولا تخفى ملامحها على أحد، لاسيما رأس الدولة المهتم دائما بتحسين أحوال الناس المعيشية، كما رئيس الحكومة ووزراؤه الذين يعرفون جيدا حجم الضغط الاقتصادي والمعيشي على كل الشرائح في البلاد.

أن يأتي الحديث عن رفع أسعار الخبز بعد ساعة من وثيقة الاردن 2025، فهذا فيه استخفاف بمشاعر المواطنين الذين يعرفون جيدا أن موازنة دولتهم فيها عجز، لكنهم يعرفون أكثر أن ميزانياتهم الخاصة فيها من الضنك والحاجة، بحيث لا تسمح الأحوال أن يتم الضغط عليها أكثر، فلحم الدولة مهما حصل من عجز أقوى من عظم المواطن، الذي وصلت به الأوضاع فعلا إلى شد الأحزمة أكثر مما يمكن تحمله.

الحكومة تعرف أنها غير محظوظة، وعليها هجمة اعلامية ونخبوية ونيابية ومن رواد الصالونات السياسية، ومن الطامحين بالعودة للسلطة، لا تقاومها بأي شيء. لهذا على الحكومة ألا تنجر إلى مواجهات جديدة بسبب قرارات غير مناسبة في توقيتها، ولا في ظروفها، ولا في المنطق الذي ستدافع عنه، فإذا كانت الدراسات الحكومية تشير إلى أن تطبيق مقترحات تغيير آليات الدعم توفر على خزينة الدولة ما مقداره 180 مليون دينار سنويا، إذ يوفر تغيير آلية دعم الخبز نحو 130 مليون دينار، فإن هذا المبلغ تستطيع الحكومة توفيره بهدوء من خلال قضية فساد واحدة من الوزن أقل من الثقيل، إضافة إلى التكلفة السياسية التي ستدفعها إثر احتجاجات متوقعة لا أحد يدري إلى أين تصل مدياتها.

نحتاج إلى إنجازات ملموسة في طريق الإصلاح السياسي الشامل، وهذا فعلا ما يدعم خزينة الدولة ماليا ومعنويا، ولا نحتاج إلى وزراء يشعلون النار أمام محطة وقود، ولا يلتفتون الى التكاليف السياسية والاجتماعية.