الاختبار بالعيّنة لخريجي الجامعات

منذ أن بدأ الحديث عن امتحان الكفاءة الجامعي، وأنا أدعو إلى جعله بالعَيْنة الممثلة لخريجي الجامعات، الذين سيجري عليهم، وإلا ما فائدة الامتحان بعد التخرج!! إن مثلنا في ذلك مثل الذي يغلق الحظيرة، بعد خروج الحصان. كما أن إجراءه على الجميع وإعطاء إفادة أو شهادة بالنجاح به أو الرسوب يَقْصر – شعبياً – الإدانة على الخريجين، ويبرئ جامعاتهم منها. أما إجراؤه بالعيّنة الممثِلة، فيدين الجامعة أكثر مما يدين طلبتها، في حالة رسوب العيّنة فيه، ويجبرها على تحسين التدريس والبحوث.
مثل هذا الامتحان مثل الامتحانات العامة، التي ستجريها وزارة التربية والتعليم للأطفال في مرحلة التعليم الأساسي. إنها إدانة للأطفال الراسبين وتبرئة لمدارسهم ومعلميهم ومعلماتهم، وإلا لو كانت الامتحانات – كما تقول الوزارة – لمساءلة المدرسة والمعلمين والمعلمات على أدائهم للجأت إلى تقييم الأطفال/ التلاميذ لها ولكل منهم، ولأجرت الاختبار (الامتحان) بالعينة الممثِلة في كل مدرسة، وفي كل صف، وفي اثناء العام الدراسي، لا في نهايته، حين يكون الحصان قد خرج من الحظيرة، ولا فائدة من إغلاقها بعد ذلك.
والاختبار بالعيّنة المُمثلة يلغي حالة الطوارئ والتوتر أو الوضع البوليسي للامتحان العام، ويجعل التلاميذ في المدرسة، والطلبة في الجامعة، أصدق في إجاباتهم لأنه لا ضرورة للغش، كما في حالة الامتحان العام، أو المصيري، الذي قد يشارك فيه المعلمون والمعلمات وربما الأهلون أيضاً بالقوة.
والعيّنة (Sample ) أنواع منها العيّنة الممثلة، والعيّنة العرضية، والعينة العشوائية، والعينة المتعددة الأوجه (Multiple-Phase) والعينة المرحلية (Multiple-Stage) والعينة المنتظمة (Systemic) والعينة التوزيعية (Distributive ) وهكذا. بمعنى أنه توجد طرق كثيرة غير الامتحان العام أو الشامل لقياس التحصيل أو غيره، أفضل منه لتحسين التعليم والتعلم.. وتبرير المساءلة.
في بريطانيا– مثلاً – يتم تقييم المدرسة بموجب معايير معينة، ومن ذلك قيام المفتشين (المشرفين أو الموجهين) بالحديث مع التلاميذ، والمعلمين والمعلمات، ومتابعة الأنشطة المنهجية اللاصفية والاتصال مع الوالدين. يحصل المدير في نهايته على تقرير أولي قبل نشره كي لا يُفاجأ به وإنما ليصحح أي أخطاء فيه قبل ذلك.
وتقع على مديرية التربية والتعليم الاستجابة لما فيه من نقد وملاحظات. لكن المشكلة هناك أن التفتيش غير مستقل عن إدارة التعليم، مما حدا بأستراليا إلى إنشاء تفتيش مستقل عنها، يقول كلمته دون مجاملة. ولما للعاملين في هذا التفتيش من قيمة ومكانة يتنافس أفضل المربين للعمل فيه.
وفي بعض البلدان تقوم مديريات التربية والتعليم في المناطق وبالتعاون مع المدارس والمعلمين والمعلمات بإجراء اختبارات هدفها الكشف عن مدى كفاءة التعلم والتعليم، لمعالجة الثغرات فيهما، أولاً بأول. هنا يقوم أساتذة القياس بالدخول على الخط إلى جانب المعلمين والمعلمات، لتدريبهم على وضع الأسئلة، وعلى تصحيحها وعلى التعبير عنها بالوسيلة المناسبة، مما يوفر فرصة عظيمة للمعلمين والمعلمات للنمو التربوي. وبهذا الأسلوب تتحول الاختبارات إلى مناسبات أو فرص للتقييم والتربية المهنية.
عندما تصبح الامتحانات قليلة الأهمية أو أمراً عادياً لا يقرر المصير، لأن الباب مفتوح للارتقاء على سلم التعليم، فإن الغش يتلاشى وينصرف الجميع –بالإضافة إلى عوامل أخرى- إلى تحسين التعلم والتعليم. لكن إذا أصرت الوزارة على فرض الامتحانات العامة على الأطفال في التعليم الأساسي، ووسعت فرضها عليهم سنة بعد أخرى، فإنه يُخشى أن تتحول الامتحانات -كما في أميركا– إلى بزنس تمارسه شركات امتحانية خاصة مثل سات، وماجروهيل، وريفرسايد، وبيرسون، يدفع التلاميذ ثمنها قبيل تقديم كل امتحان، فيحل بزنس الامتحان محل عملية التربية والتعليم.