لن نقف طوابير على حاوياتكم .....
يبدو ان رئيس الوزراء عبدالله النسور لا يريد ان ينهي فترته الرئاسية الثانية قبل ان يفي بتعهداته كلها. النسور قال انه ينوي رفع الدعم عن مادة القمح، وبالتالي رفع سعر كيلو الخبز من ١٨ قرشا الى ٥٠ قرشا (نصف دينار) على الاقل، وهي القيمة التي قال نقيب اصحاب المخابز عبدالاله الحموي انها ستتحقق اثر قرار رفع الدعم.
طبعا النسور اكد في حفل اطلاق وثيقة الاردن ٢٠٢٥ ان حكومته ولو رفعت الدعم عن القمح ملتزمة ببيع الخبز للاردنيين جميعا بنفس السعر ودون تغيير وذلك عن طريق صرف قيمة الدعم لجميع المواطنين دون استثناء!!!! يا للحيرة، كيف يمكن ان نفهم هذه المعادلة المستحيلة. فاذا كانت الحكومة ستبيع الخبز بنفس السعر لجميع المواطنين لماذا تلجأ اذن لقرار رفع الدعم عن القمح؟!! هل تشكل نسب استهلاك الوافدين واللاجئين من مادة الخبز قيمة عالية من اصل ال ١٨٠ مليون دينار (كلفة شراء القمح سنويا)؟ وماذا عن الكلف الادارية التي سترافق عمليات صرف التعويضات للاردنيين جميعا في المدن والقرى والبوادي والمخيمات كم ستبلغ مقارنة مع الوفر المتحقق من قرار رفع الدعم؟!! اما اذا كان النسور يراهن على تجريع القرار للناس تدريجيا، فلن ينجح هذه المرة في استغفالهم كما فعل في المرات السابقة. فجميعنا يعرف ان الرفع اذا ما تم سيطال الجميع وسرعان ما ستنكشف اكذوبة الدعم كما حدث بعد تبني حكومة النسور قرار رفع اسعار المحروقات او تبني حكومات سابقة لقرار رفع رسوم الجامعات.
الحكومة اعترفت في ذات اللقاء ان ٩٠٪ من الانفاق الجاري يتم تحصيله من الضرائب المترتبة على المواطنين فاذا كان الاردنيون يدفعون سنويا ٥ مليارات دينار للخزينة وهذا يشمل بالضرورة قيمة الدعم على مادة الطحين لماذا تكافئنا الحكومة بمزيد من الرفع وهذه المرة ترفع الخبز 'المادة الغذائية الوحيدة التي يقتات عليها ابناء شعبنا الصابر'؟!!
ما الذي تريدونه منا؟ من سلّطكم علينا؟ حتى خبز الفقراء لن يسلم من عبثكم الذي شاط وماط؟
النسور انتفض ذات نيسان على رئيس الوزراء الاسبق زيد الرفاعي كون الاخير تسبب بانهيار الاقتصاد الاردني وارتفاع المديونية وهبوط سعر صرف الدينار وبالتالي ارتفاع اسعار جميع السلع بما فيها رغيف الخبز، وقدم نفسه حينها نصيرا للفقراء -وغالبيتنا اليوم بالمناسبة وحسب اخر الاحصاءات تحت خط الفقر بفضل عبقرية النسور وفريقه الاقتصادي- ، نسي النسور هذا التاريخ وتناسى بطولاته (..) في عام ١٩٨٩، وها هو اليوم يتسبب بمضاعفة المديونية الى حدود غير مسبوقة ويريد ان يرفع سعر كيلو الخبز ضعفين ونصف على الاقل، اي مفارقة هذه؟!! و كم تتباين المواقف مع اختلاف المواقع!!
تخيلوا معي حجم العبث (اوضاع اقتصادية خانقة، رواتب متآكلة لم ترتفع فلسا واحدا منذ سنوات طويلة، تضاعف معدلات الجريمة والعنف، انتشار مقلق وخطير للمخدرات تعاطيا واتجارا، تآكل البنى المؤسسية في جهاز الادارة العامة في بلادنا ونحن نتحدث هنا عن العامود الفقري للدولة، تفشي الرشوة وعمليات الاحتيال، وصولا الى التفكك المتزايد في المنظومة القيمية والاخلاقية بالمجتمع، ناهيك عن الخطر المحدق المتأتي من اشتعال الحروب على حدودنا الشمالية والشرقية)، في هذا الوقت العصيب والظرف الدقيق يكشف رئيس الوزراء عبدالله النسور عن نيته رفع الدعم عن الخبز!! ماذا يمكننا ان نقول سوى انها حالة متقدمة من الانفصام الكامل عن الواقع باسوأ حالاته وصوره ..
ويبقى ان نسأل النسور، اذا لم يحل قرار رفع اسعار المحروقات ازمتنا المالية، واذا لم ينه قرار رفع اسعار الكهرباء حالة التدهور في موازنتنا، واذا لم تنجح كل قرارات الجباية التي اتخذت في الحد من حجم المديونية الكبير الذي تجاوز الـ ٨٠.٥٪ من الناتج المحلي -كما قال وزير المالية امية طوقان في ذات اللقاء المشؤوم- ، فهل سيحل قرار رفع الدعم عن مادة القمح المشكلة جذريا مرة وللابد؟! ، كلام فارغ … ما الذي تبقى لدينا لترفعوه؟
على كل حال، ورغم ما نحن فيه من معاناة وفاقه، لن نقف طوابير على حاوياتكم؟